[223] فاذا ليس هذا القول من الشناعة فى الصورة التى أراد ان يصورها هذا الرجل حتى ينفر بذلك النفوس عن اقوال الفلاسفة ويخسسهم فى اعين النظار ولا فرق بين هذا وبين من يقول اذا وضعتم موجودا حيا بحياة مريدا بارادة عالما بعلم سميعا بصيرا متكلما بسمع وبصر وكلام ولزم عنه جميع العالم لزم ان يكون الانسان الحى العالم السميع البصير المتكلم يلزم عنه جميع العالم لانه ان كانت هذه الصفات هى التى تقتضى وجود العالم فيجب ان يكون لا فرق فيما يوجب فى كل موجود يوصف بها .
[224] فان كان الرجل قصد قول الحق فى هذه الاشياء فغلط فهو معذور وان كان علم التمويه فيها فقصده فان لم يكن هنالك ضرورة داعية له فهو غير معذور وان كان انما قصد بهذا ليعرف انه ليس عنده قول برهانى يعتمد عليه فى هذه المسئلة أعنى المسئلة التى هى من أين جاءت الكثرة كما يظهر بعد من قوله فهو صادق فى ذلك اذ لم يبلغ الرجل المرتبة من العلم المحيط بهذه المسئلة وهذا هو الظاهر من حاله فيما بعد وسبب ذلك انه لم ينظر الرجل الا فى كتب ابن سينا فلحقه القصور فى الحكمة من هذه الجهة
[225] قال ابو حامد فان قال قائل فاذا ابطلتم مذهبهم فما ذا تقولون انتم اتزعمون انه يصدر من الشىء الواحد من كل وجه شيئان مختلفان فتكابرون العقول ام تقولون المبدأ الاول فيه كثرة فتتركون التوحيد او تقولون لا كثرة فى العالم فتنكرون الحس او تقولون لزمت بالوسائط فتضطرون الى الاعتراف بما قالوه قلنا نحن لم نخض فى هذا الكتاب خوض ممهد وانما غرضنا ان نشوش دعاويهم وقد حصل . على أنا نقول ومن زعم ان المصير الى صدور اثنين من واحد مكابرة للعقول او اتصاف المبدأ بصفات قديمة أزلية مناقض للتوحيد فهاتان دعوتان باطلتان لا برهان لهم عليهما فانه ليس يعرف استحالة صدور اثنين من واحد كما يعرف استحالة كون الشخص الواحد فى مكانين وعلى الجملة لا يعرف بالضرورة ولا بالنظر . وما المانع من ان يقال المبدأ الاول عالم قادر مريد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد يخلق المختلفات والمتجانسات كما يريد وعلى ما يريد فاستحالة هذا لا يعرف بضرورة ولا نظر وقد ورد به الانبياء المؤيدون بالمعجزات فيجب قبوله . وأما البحث عن كيفية صدور الفعل من الله تعالى بالارادة ففضول وطمع فى غير مطمع والذين طمعوا فى طلب مناسبته ومعرفته رجع حاصل نظر هم الى ان المعلول الاول من حيث انه ممكن الوجود صدر منه فلك ومن حيث انه يعقل نفسه صدر منه نفس الفلك فهذه حماقة لا اظهار مناسبة فلنقبل مبادى هذه الامور من الانبياء صلوات الله عليهم وليصدقوا فيها اذ العقل لا يحيلها ولنترك البحث عن الكيفية والكمية والماهية فليس ذلك مما يتسع له القوى البشرية ولذلك قال صاحب الشرع تفكروا فى خلق الله ولا تتفكروا فى ذات الله
مخ ۲۵۴