199

تفسیر وسط

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

خپرندوی

دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د خپرونکي ځای

الفجالة - القاهرة

ژانرونه

استقر في النفس أن القرآن الكريم من عند الله، استتبع ذلك استحضار أنه أنزل على محمد ﷺ. وقولهم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا معناه: نؤمن بالتوراة التي أنزلها الله على نبينا موسى دون غيرها مما أنزله الله عليك- يا محمد-، وجوابهم هذا يدل على غبائهم وعنادهم. لأن الداعي لهم إلى الإيمان، يطلب منهم أن يؤمنوا بكل ما أنزل الله من الكتب السماوية، ولكنهم قيدوا أنفسهم بالإيمان ببعض ما أنزل الله وهو ما أنزل عليهم، فلم يكن إيمانهم مطابقا لما أمر الله به وهو التصديق بجميع الكتب السماوية، ولا شك أن من آمن ببعض الكتب السماوية وكفر ببعضها يكون كافرا بجميعها. وقوله تعالى: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ قصد به بيان التصريح بكفرهم بالقرآن الكريم بعد أن لمحوا بذلك في قولهم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا. والضمير في وَراءَهُ يعود على بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا المكنى به عن التوراة، أى: قالوا نؤمن بما أنزل علينا والحال أنهم يكفرون بما سوى التوراة أو بما بعدها وهو القرآن الكريم. قال ابن جرير- ﵀: «وتأويل وراء في هذا الموضع: سوى، كما يقال للرجل المتكلم بالحسن، ما وراء هذا الكلام الحسن شيء. يراد به: ليس من عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام، فكذلك معنى قوله تعالى: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ أى بما سوى التوراة، وبما بعده من كتب الله التي أنزلها على رسله» «١» . والضمير «هو» في قوله تعالى: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُمْ يعود إلى القرآن الكريم المكنى عنه بقوله «بما وراءه» . والحق: الحكم المطابق للواقع. ووصف به القرآن الكريم لاشتماله على الأحكام المطابقة للواقع. ومعنى كون القرآن مصدقا لما مع اليهود وهو التوراة، أنه يدل على نبوة النبي ﷺ. وبهذا كان مؤيدا للتوراة التي بشرت بالنبي ﷺ وذكرت له نعوتا لا تنطبق إلا عليه، وبذلك يكون اليهود الذين يدعون الإيمان بما أنزل عليهم كاذبين في دعواهم، لأنهم لم يؤمنوا بمحمد ﷺ الذي بشرت به توراتهم وأمرتهم بالإيمان به وأيدها القرآن الكريم في ذلك. قال صاحب الكشاف: وفي قوله تعالى: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُمْ رد لمقالتهم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا لأنهم إذ كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها» «٢» .

(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٤١٨. (٢) تفسير الكشاف بتصرف ج ١ ص ٢٢٤.

1 / 203