وحرس أبواب مغاني سماء مباني آياته ، عن استراق شيء بالنقص أو المزيد في ذاته ، وكان المعيار الصحيح ، والمعيار النجيح محكم الآيات ، مجردا في النظام عن الخلل في الكلام ، لا يقبل الزلل في الأحكام أو في شيء من الأحوال ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، على أنه في تأليف كلامه وعجيب نظامه لقرآنه تراكيب ألفاظه العجيبة ، وعدم تناهي معانيه الغريبة - مع شدة إجازه - قد اقتضى كون اعجازه من رام عزما أن يعارضه نطما ، فتحدى لذلك جميع العالمين أن يأتو بمثله ، أو سورة في صورة شكله ، وأنى لهم بذلك ولو كن بعضهم لبعض ظهيرا . والصلاة السلام على نبي الرحمة ، هادي الأمة ، محمد النبي الأمي ، الذي أراد الله بجود هالة هلاله وجوده ، في قبة سماء بهجة الدين ، من حيث أنه جعله للناس قمرا وسراجا منيرا ، وعلى آله المطهرين من القبائح من جميع العالمين تطهيرا .
(2)
أما بعد ، فقد انكشف بنور الحق البرهان ، وصار الأمر ظاهر العيان أنه لا سبيل إلى الوصول إلى الله ، والفوز في لقائه بالسعادة الأبدية ، والتنعم باللذاذات السرمدية ، إلا بوجود الرعاية ، والسير إليه في منار الهداية ، على أنوار العلم ، في عنان الحلم ، لأنه من لم يكن له نور من ربه ، فما له من نور يستدل به ، وذلك هو العلم النافع ، فالعلم هو الدليل على قصد السبيل ، إلى الملك الجليل . العلم كله القرآن وهو التنزيل ، وما بعده من العلم تفسير له وتأويل . فهو الهدى والنور ، والشفاء لما في الصدور ، من أمراض الغرور وأدواء الفجور .
مخ ۵