إن النبات له ثلاث قوى: قوة من جنس الأرض، وقوة من جنس الماء، وقوة من جنس النار. فأما ما كان من جنس الأرض فهو ثبات النبات، وما كان من جنس النار فهو تأليف النبات، 〈وما كان من جنس الماء فهو وحدة النبات〉. وكثيرا ما يشاهد هذا فى الفخار: فان فيه ثلاثة أشياء: أولها الطين الذى ينبت عليه أس الفخار، والثانى الماء الذى يتربى فيه الفخار، والثالث النار الذى تجتمع فيه أجزاء الفخار حتى يتم كونه به. فاظهار التأليف كله بالنار، وذلك أن فى الفخار تخلخلا فى أجزائه، فاذا أحرقه النار انبثت مادة الرطوبة وتلاصقت أجزاء الطين وقام اليبس مقام الرطوبة بالغلبة. والطبخ فى كل الحيوان والنبات والمعادن، فان الطبخ حيث تكون الرطوبة والحرارة إذا تناهى فى الفعل؛ ويكون فى طبخ الأحجار والمعادن. فأما الحيوان والنبات فليس كونه كذلك، لأن أجزاءه غير منحصرة، ولذلك كان منه الرشح والعرق: فأما العرق فللحيوان، وأما الرشح فللنبات. وأما المعادن فلا رشح فيها ولا عرق، لأن أجزاءها غير متخلخلة فلا يخرج منها شىء غيرها كما يخرج من الحيوان والنبات الفضول، وإنما يخرج من حيث التخلخل. وأما مالا تخلخل فيه فلا يخرج منه شىء ألبتة، ولذلك صار مصمتا، أى لا يمكن فيه الزيادة، لأن ما يمكن فيه الزيادة حتى ينمى ويكبر يحتاج إلى موضع ينمى فيه، وإذا كان مصمتا لم يكن له موضع ينشأ فيه ويكبر. ولذلك صارت الأحجار والأملاح والترب أبدا على حالة واحدة لا تزيد ولا تكبر. فأما النبات فان الحركة فيه تسوغ، لأن اليبس الذى هو أحد قوى الأرض يجذب الرطوبة. فاذا اجتذبها كان مع اجتذابها حركة تحمى الموضع فيقع الطبخ فى حالة واحدة، ولذلك صار أكثر الحشائش يتكون فى ساعة أو يوم واحد؛ وليس كذلك الحيوان، لأن الحيوان طبيعة مخالفة لذاته. وإنما يكون الطبخ عند استعمال الحيوان المادة: فأما النبات فمادته قريبة منه فلذلك أسرع كونه ونشوؤه وكبره. وكذلك اللطيف منه أسرع كونا من المتكاثف فيحتاج إلى قوى كثيرة لاختلاف شكله وتباعد أجزائه بعضها من بعض فى الطبيعة. فأما الحشائش والزرع فأجزاؤه قريبة بعضها من بعض، ولذلك أسرع كونه للطاقة بعضها من بعض فكملت فى أسرع زمان. وأما النبات فأكثره متخلخل الأجزاء، وذلك أن الحرارة فى بطون الأرض فى التخلخل، وليس من شأن الماء أن يصعد إلى فوق لكن الحرارة تجذب تلك الرطوبة إلى أقصى النبات فتصير المواد فى جميع أجزاء النبات فما فضل عنه رشحه. وكذلك الحمام: فان الحرارة تجذب تلك الرطوبة فتجعلها بخارا عاليا، فاذا أفرط فى الموضع رجع قطرا. وكذلك الفضول فى الحيوان والنبات ترجع من العلو إلى أسفل وتصعد من أسفل إلى العلو فى الأفاعيل.
وكذلك الأنهار التى تحت الأرض، فان كونها من الجبال، ومادتها من الأمطار. فاذا كثرت المياه واحتقنت تولد من ذلك بخار حار لاحتقانها فخرق الأرض كلها ذلك البخار فظهرت العيون والأنهار، وقد كانت قبل ذلك باطنة.
مخ ۲۶۴