[4.24-25]
{ والمحصنت } قرىء بكسر الصاد وفتحها. والمعنى بها هاهنا المزوجات واستثنى منهن ما ملكت ملك يمين فإنه بالملك ينفسخ نكاحها من زوجها وتحل لمن ملكها.
{ كتب الله عليكم } انتصب بإضمار فعل وهو مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت عليكم، وكأنه قيل: كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا. ولا حجة للكسائي في دعواه إن هذا من باب الأعزاء وان التقدير عليكم كتاب الله وقدم المفعول ولا يجوز ذلك عند البصريين في باب الاغراء.
{ وأحل لكم ما وراء ذلكم } لما نص على المحرمات في النكاح أخبر تعالى أنه أحل ما سوى من ذكر وظاهر ذلك العموم. وبهذا الظاهر استدلت الخوارج ومن وافقهم من الشيعة على جواز نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها والجمع بينهما وقد أطال الاستدلال في ذلك أبو جعفر الطوسي أحد علماء الشيعة الاثني عشرية في كتابه في التفسير.
قال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: وأحل لكم؟ قلت: على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله، أي كتب الله عليكم تحريم ذلك وأحل لكم ما وراء ذلكم. ويدل عليه قراءة اليماني كتب الله عليكم وأحل لكم. ثم قال: ومن قرأ وأحل لكم مبنيا للمفعول فقد عطفه على حرمت. " انتهى ".
ففرق في العطف بين القراءتين وما اختاره من التفرقة غير مختار لأن انتصاب كتاب الله عليكم إنما هو انتصاب المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت، فالعامل فيه وهو كتب إنما هو تأكيد لقوله: حرمت، فلم يؤت بهذه الجملة على سبيل التأكيد للحكم إنما التأسيس حاصل بقوله: حرمت وهذه جنى بها على سبيل التأكيد لتلك الجملة المؤسسة وما كان سبيله هكذا فلا يناسب أن يعطف عليه الجملة لحكم إنما يناسب أن تعطف عليه جملة مؤسسة مثلها لا سيما والجملتان متقابلتان إذ أحديهما للتحريم والأخرى للتحليل، فناسب أن تعطف هذه على هذه. وقد أجاز الزمخشري ذلك في قراءة من قرأ، وأحل مبنيا للمفعول فكذلك يجوز فيه مبنيا للفاعل.
{ أن تبتغوا } نصب على أنه بدل اشتمال من ما وراء ذلكم ويشمل الابتغاء بالمال النكاح والشراء. وقيل: الابتغاء بالمال هو على وجه النكاح.
وقال الزمخشري: أن تبتغوا مفعول له بمعنى بين لكم ما يحل مما يحرم إرادة أن يكون ابتغاؤكم بأموالكم التي جعل الله لكم قياما في حال كونكم محصنين غير مسافحين لئلا تضيعوا أموالكم وتفرقوا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين. " انتهى كلامه ". وانظر إلى جعجعة هذه الألفاظ وكثرتها وتحميل لفظ القرآن ما لا يدل عليه وتفسير الواضح الجلي باللفظ المعقد ودس مذهب الاعتزال في غضون هذه الألفاظ الطويلة دسا خفيا إذ فسر قوله: وأحل لكم، بمعنى بين لكم ما يحل، وجعل قوله: أن تبتغوا على حذف مضافين أي إرادة أن يكون ابتغاؤكم أي إرادة كون ابتغاؤكم بأموالكم، وفسر الأموال بعد بالمهور وما يخرج في المناكح، فتضمن تفسيره أنه تعالى بين لكم ما يحل لإرادته كون ابتغائكم بالمهور فاختصت إرادته بالحلال الذي هو النكاح دون السفاح.
وظاهر الآية غير هذا الذي فهمه الزمخشري إذ الظاهر أنه تعالى أحل لنا ابتغاء ما سوى المحرمات السابق ذكرها بأموالنا حالة الاحصان لا حالة السفاح. وعلى هذا الظاهر لا يجوز أن يعرب أن تبتغوا مفعولا له كما ذهب إليه الزمخشري لأنه فات شرط من شروط المفعول له وهو اتحاد الفاعل في العامل والمفعول له لأن الفاعل بقوله: وأحل هو الله تعالى والفاعل في أن تبتغوا هو ضمير المخاطبين فقد اختلفا ولما أحس الزمخشري إن كان أحس بهذا جعل ان تبتغوا على حذف إرادة حتى يتحد الفاعل في قوله: وأحل، وفي المفعول له فلم يجعل ان تبتغوا مفعولا له إلا على حذف مضاف وإقامته مقامه وهذا كله خروج عن الظاهر لغير داع إلى ذلك ومفعول تبتغوا محذوف اختصارا إذ هو ضمير يعود على ما من قوله: ما وراء ذلكم وتقديره أن تبتغوه.
وقال الزمخشري: فإن قلت: أين مفعول تبتغوا؟ قلت: يجوز أن يكون مقدرا وهو النساء وأجود أن لا يقدر وكأنه قيل: أن تخرجوا أموالكم. " انتهى ". فإما تقديره إذا كان مقدرا بالنساء فإنه لما جعله مفعولا له غاير بين متعلق المفعول له وبين متعلق المعلول وأما قوله: وأجود أن لا يقدر وكأنه قيل أن تخرجوا أموالكم فهو مخالف للظاهر لأن مدلول تبتغوا ليس مدلول تخرجوا، ولا تعدى تبتغوا إلى الأموال بالباء ليس على طريق المفعول به الصريح كما هو في تخرجوا، وهذا كله تكلف ينبغي أن ينزه كتاب الله عنه. والاحصان: العفة، وتحصين النفس عن الوقوع في الحرام. وانتصب محصنين على الحال، وغير مسافحين حال مؤكدة لأن الاحصان لا يجامع السفاح.
ناپیژندل شوی مخ