{ وأنبتها نباتا حسنا } عبارة عن حسن النشأة والجودة في خلق وخلق وإنشائها على الطاعة والعبادة. قال ابن عباس: لما بلغت تسع سنين صامت النهار وقامت الليل حتى أربت على الأحبار وقيل لم تجر عليها خطيئة. وانتصب نباتا على أنه مصدر على غير المصدر أو مصدر لفعل محذوف أي فنبتت نباتا حسنا.
وقرىء { وكفلها زكريا } أي ضمها إليه حالة التربية. وقرىء وكفلها زكريا أي كفلها الله تعالى. ويقال كفل. يكفل كعلم ويعلم وكفل يكفل كقتل يقتل لغتان. وقرىء فتقبلها وأنبتها وكفلها على الأمر وربها على النصب نداء منها فتكون الجمل إذ ذاك من كلام أم مريم دعت ربها بهذه الدعوات. وقرىء زكريا بالمد والقصر ويأتي الكلام في سبب تكفيل زكريا مريم. قال ابن اسحاق: كان زكريا تزوج خالتها لأنه وعمران كانا سلفين على أختين فولدت امرأة زكريا يحيى وولدت امرأة عمران مريم وزكريا نبي معصوم وهو ابن داود بن مسلم وهو من ولد سليمان عليه السلام. قال ابن إسحاق: ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بني لها محرابا في المسجد وجعل بابه في وسطه لا يرقى إليه ألا بسلم مثل باب الكعبة ولا يصعد إليها غيره.
{ كلما } تدل على التكرار وتقدم الكلام عليها في البقرة والعامل فيها فعل ماض وقد جاء مضارعا قليلا في قول الشاعر:
علاه بسيف كلما هز يقطع
أي قطع وقيل هنا كلام محذوف تقديره فلما صلحت للعبادة احتجبت عن أهلها في مكان بعيد منفردة للعبادة وكان زكريا يأتيها وتبناها إذ كان هو كافلها. والرزق هنا قيل: هو فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ولم يعين في القرآن، ولا صح تعيينه في ألسنة ولما استغرب زكريا ذلك.
{ قال يمريم أنى لك هذا } أي من أين لك هذا فأجابته بقوله: { هو من عند الله } أي هو مسبب الأشياء وموجدها. وجوابها لسؤاله ظاهره أنه لم يأت به آدمي البتة بل هو رزق يتعهدني به الله تعالى.
{ إن الله يرزق } ظاهره أنه من كلام مريم عليها السلام. { هنالك } إسم إشارة للمكان البعيد. قيل: وقد يستعمل للزمان، ولما كان المحراب مكان عبادة وكرامة لمريم.
{ دعا زكريا } فيه بأن يهب الله له ذرية طيبة ولما كان دعاؤه على سبيل ما لا تسبب فيه لكبر سنه وعقر امرأته وكان وجوده كالوجود من غير سبب أي هبة مخصة منسوبة إلى الله تعالى، بقوله: { من لدنك } أي من جهتك بمحض قدرتك من غير توسط سبب.
وختم بقوله: { إنك سميع الدعآء } أي مجيبه. كما ختمت أم مريم دعاءها في قولها: فتقبل مني إنك أنت السميع العليم. وطيب الذرية كونها صالحة خالصة لعبادة الله كما جاءت مريم كذلك.
{ فنادته الملائكة } ظاهره أنها باشرته بالنداء ليلقى سمعه إلى ما تكلمه الملائكة وتخبره عن تبشير الله له بالهبة وانه تعالى قبل دعاءه في ذلك. { وهو قائم } جملة حالية نادته حالة التباسه بهذه العبادة العظيمة وهي الصلاة في المكان الشريف المخصوص بالعبادة. { بيحيى } أي بولادة يحيى منك ويحيى علم. والظاهر أنه أعجمي لأنه ليس من لسانهم وقرىء فناداه وفنادته. وقرىء ان الله يكسر الهمزة على تقدير قول محذوف في مذهب أهل البصرة وفي إجراء النداء مجرى القول في مذهب الكوفيين وبفتحها على تقدير الباء أي بأن الله. وقرىء يبشرك مخفف الشين، ويبشرك مضارع بشر بتشديد الشين ويبشرك مضارع أبشر بالهمزة. { مصدقا بكلمة } هي عيسى عليه السلام وأطلق عليه كلمة لأنه ناشىء عن لفظ كن المستعار لسرعة التكوين. وقرىء بكلمة بكسر الكاف وسكون اللام في جميع القرآن. { وسيدا } السيد المطاع الفائق أقرانه والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك. وترتبت هذه الأوصاف لحسن ترتيب بدأ فذكر التصديق أولا وهو الإيمان ثم السيادة وهو كونه فاق الناس في الخصال الحميدة ثم الحصر من النساء اللاتي هن ملاذ الرجال، ثم النبوة التي هي أشرف الأوصاف. وتقدم الكلام في الصلاح ما هو في البقرة في قوله:
ناپیژندل شوی مخ