249

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

ثم ذكر سبحانه نبذا من جمل أخلاقهم بقوله: والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، فالعهد هو الالتزام بشيء والعقد له - وقد أطلقه تعالى - وهو مع ذلك لا يشمل الإيمان والالتزام بأحكامه كما توهمه بعضهم - لمكان قوله إذا عاهدوا، فإن الالتزام بالإيمان ولوازمه لا يقبل التقيد بوقت دون وقت - كما هو ظاهر - ولكنه يشتمل بإطلاقه كل وعد وعده الإنسان وكل قول قاله التزاما كقولنا: لأفعلن كذا ولأتركن، وكل عقد عقد به في المعاملات والمعاشرات ونحوها، والصبر هو الثبات على الشدائد حين تهاجم المصائب أو مقارعة الأقران، وهذان الخلقان وإن لم يستوفيا جميع الأخلاق الفاضلة غير أنهما إذا تحققا تحقق ما دونهما، والوفاء بالعهد والصبر عند الشدائد خلقان يتعلق أحدهما بالسكون والآخر بالحركة وهو الوفاء فالإتيان بهذين الوصفين من أوصافهم بمنزلة أن يقال: إنهم إذا قالوا قولا أقدموا عليه ولم يتجافوا عنه بالزوال.

وأما ما عرفهم به ثانيا بقوله: أولئك الذين صدقوا، فهو وصف جامع لجمل فضائل العلم والعمل فإن الصدق خلق يصاحب جميع الأخلاق من العفة والشجاعة والحكمة والعدالة وفروعها فإن الإنسان ليس له إلا الاعتقاد والقول والعمل، وإذا صدق تطابقت الثلاثة فلا يفعل إلا ما يقول ولا يقول إلا ما يعتقد، والإنسان مفطور على قبول الحق والخضوع له باطنا وإن أظهر خلافه ظاهرا فإذا أذعن بالحق وصدق فيه قال ما يعتقده وفعل ما يقوله وعند ذلك تم له الإيمان الخالص والخلق الفاضل والعمل الصالح، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين": التوبة - 120، والحصر في قوله أولئك الذين صدقوا، يؤكد التعريف وبيان الحد، والمعنى - والله أعلم - إذا أردت الذين صدقوا فأولئك هم الأبرار.

وأما ما عرفهم به ثالثا بقوله وأولئك هم المتقون، الحصر لبيان الكمال فإن البر والصدق لو لم يتما لم يتم التقوى.

والذي بينه تعالى في هذه الآية من الأوصاف الأبرار هي التي ذكرها في غيرها.

قال تعالى: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا - عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا - إنما نطعمكم لوجه الله - إلى أن قال - وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا:" الدهر - 12، فقد ذكر فيها الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق لوجه الله والوفاء بالعهد والصبر، وقال تعالى أيضا: "كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون. إن الأبرار لفي نعيم - إلى أن قال - يسقون من رحيق مختوم - إلى أن قال - عينا يشرب بها المقربون": المطففين - 28، بالتطبيق بين هذه الآيات والآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم ومآل أمرهم إذا تدبرت فيها، وقد وصفتهم الآيات بأنهم عباد الله وأنهم المقربون، وقد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان: الحجر - 42، ووصف المقربين بقوله: "والسابقون السابقون. أولئك المقربون في جنات النعيم": الواقعة - 12، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه، ولو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجبا.

وقد بان مما مر أن الأبرار أهل المرتبة العالية من الإيمان، وهي المرتبة الرابعة على ما مر بيانه سابقا، قال تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون": الأنعام - 82.

قوله تعالى: والصابرين في البأساء، منصوب على المدح إعظاما لأمر الصبر، وقد قيل إن الكلام إذا طال بذكر الوصف بعد الوصف فمذهبهم أن يعترضوا بين الأوصاف بالمدح والذم، واختلاف الإعراب بالرفع والنصب.

بحث روائي

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان.

مخ ۲۵۰