248

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

2 سورة البقرة - 177

ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الاخر والملئكة والكتب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوى القربى واليتمى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلوة وءاتى الزكوة والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصبرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177)

بيان

قيل: كثر الجدال والخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وطالت المشاجرة فنزلت الآية.

قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، البر بالكسر التوسع من الخير والإحسان، والبر بالفتح صفة مشبهة منه، والقبل بالكسر فالفتح الجهة ومنه القبلة وهي النوع من الجهة، وذوو القربى الأقرباء، واليتامى جمع يتيم وهو الذي لا والد له، والمساكين جمع مسكين وهو أسوأ حالا من الفقير، وابن السبيل المنقطع عن أهله، والرقاب جمع رقبة وهي رقبة العبد، والبأساء مصدر كالبؤس وهو الشدة والفقر، والضراء مصدر كالضر وهو أن يتضرر الإنسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد، والبأس شدة الحرب.

قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله، عدل عن تعريف البر بالكسر إلى تعريف البر بالفتح ليكون بيانا وتعريفا للرجال مع تضمنه لشرح وصفهم وإيماء إلى أنه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق ولا فضل فيه، وهذا دأب القرآن في جميع بياناته فإنه يبين المقامات ويشرح الأحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.

وبالجملة قوله ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر، تعريف للأبرار وبيان لحقيقة حالهم، وقد عرفهم أولا في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد والأعمال والأخلاق بقوله: من آمن بالله وثانيا بقوله: أولئك الذين صدقوا وثالثا بقوله: وأولئك هم المتقون.

فأما ما عرفهم به أولا فابتدأ فيه بقوله تعالى: من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وهذا جامع لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الإيمان بها، والمراد بهذا الإيمان الإيمان التام الذي لا يتخلف عنه أثره، لا في القلب بعروض شك أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شيء مما يصيبه مما لا ترتضيه النفس، ولا في خلق ولا في عمل، والدليل على أن المراد به ذلك قوله في ذيل الآية أولئك الذين صدقوا فقد أطلق الصدق ولم يقيده بشيء من أعمال القلب والجوارح فهم مؤمنون حقا صادقون في إيمانهم كما قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما: النساء 68 وحينئذ ينطبق حالهم على المرتبة الرابعة من مراتب الإيمان التي مر بيانها في ذيل قوله تعالى إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت: البقرة 131. ثم ذكر تعالى نبذا من أعمالهم بقوله: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة، فذكر الصلاة - وهي حكم عبادي - وقد قال تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر": العنكبوت - 45، وقال: "وأقم الصلوة لذكري": طه - 14، وذكر الزكاة - وهي حكم مالي فيه صلاح المعاش - وذكر قبلهما إيتاء المال وهو بث الخير ونشر الإحسان غير الواجب لرفع حوائج المحتاجين وإقامة صلبهم.

مخ ۲۴۹