243

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

ومن ذلك يظهر أن في الكلام قلبا أو عناية أخرى يعود إليه فإن المثل بالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء مثل الذي يدعوهم إلى الهدى لا مثل الكافرين المدعوين إلى الهدى إلا أن الأوصاف الثلاثة التي استنتج واستخرج من المثل وذكرت بعده، وهي قوله: صم بكم عمي فهم لا يعقلون، لما كانت أوصافا للذين كفروا لا لمن يدعوهم إلى الحق استوجب ذلك أن ينسب المثل إلى الذين كفروا لا إلى رسول الله تعالى فأنتج ما أشبه القلب.

بحث روائي

في التهذيب، عن عبد الرحمن، قال: سألت أبا عبد الله عن رجل حلف أن ينحر ولده قال: ذلك من خطوات الشيطان.

وعن منصور بن حازم أيضا قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أما سمعت بطارق إن طارقا كان نخاسا بالمدينة فأتى أبا جعفر فقال يا أبا جعفر إني حلفت بالطلاق والعتاق والنذر؟ فقال له يا طارق إن هذا من خطوات الشيطان.

وفي تفسير العياشي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كل يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان.

وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا حلف الرجل على شيء والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة له، وإنما ذلك من خطوات الشيطان.

أقول: والأحاديث كما ترى مبنية على كون المراد من خطوات الشيطان الأعمال التي يتقرب بها وليست بمقربة لعدم العبرة بها شرعا كما ذكرناه في البيان السابق نعم في خصوص الطلاق ونحوه وجه آخر للبطلان وهو التعليق المنافي للإنشاء، والمسألة فقهية، والمراد باليمين بغير الله هو اليمين الذي يترتب عليه أثر اليمين الشرعي أو القسم بما لم يقسم به الله ولم يثبت له كرامة شيئا.

وفي المجمع، عن الباقر: في قوله تعالى: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق الآية، قال: أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت.

بحث أخلاقي واجتماعي

الآراء والعقائد التي يتخذها الإنسان إما نظرية لا تعلق لها بالعمل من غير واسطة كالمسائل المتعلقة بالرياضيات والطبيعيات وما وراء الطبيعة، وإما عملية متعلقة بالعمل بلا واسطة كالمسائل المتعلقة بما ينبغي فعله وما لا ينبغي، والسبيل في القسم الأول هو اتباع العلم واليقين المنتهي إلى برهان أو حس، وفي القسم الثاني اتباع ما يوصل إلى الخير الذي فيه سعادة الإنسان أو النافع فيها، واجتناب ما ينتهي إلى شقائه أو يضره في سعادته، وأما الاعتقاد بما لا علم له بكونه حقا في القسم الأول، والاعتقاد بما لا يعلم كونه خيرا أو شرا فهو اعتقاد خرافي.

والإنسان لما كانت آراؤه منتهية إلى اقتضاء الفطرة الباحثة عن علل الأشياء والطبيعة الباعثة له إلى الاستكمال بما هو كماله حقيقة فإنه لا تخضع نفسه إلى الرأي الخرافي المأخوذ على العمياء وجهلا إلا أن العواطف النفسانية والإحساسات الباطنية التي تثيرها الخيال - وعمدتها الخوف والرجاء - ربما أوجبت له القول بالخرافة من جهة أن الخيال يصور له صورا يستصحب خوفا أو رجاء فيحفظها إحساس الخوف أو الرجاء، ولا يدعها تغيب عن النفس الخائفة أو الراجية، كما أن الإنسان إذا أحل واديا - وهو وحده بلا أنيس والليل داج مظلم والبصر حاسر عن الإدراك - فلا مؤمن يؤمنه بتميز المخاطر من غيرها بضياء ونحوه فترى أن خياله يصور له كل شبح يتراءى له غولا مهيبا يقصده بالإهلاك أو روحا من الأرواح، وربما صور له حركة وذهابا وإيابا وصعودا في السماء ونزولا إلى الأرض، وأشكالا وتماثيل ثم لا يزال الخيال يكرر له هذا الشبه المجعول كلما ذكره وحاله حاله من الخوف، ثم ربما نقله لغيره فأوجد فيه حالا نظير حاله ولا يزال ينتشر - وهو موضوع خرافي لا ينتهي إلى حقيقة -.

وربما هيج الخيال حسن الدفاع من الإنسان أن يضع أعمالا لدفع شر هذا الموجود الموهوم ويحث غيره على العمل بها للأمن من شره فيذهب سنة خرافية.

ولم يزل الإنسان منذ أقدم أعصار حياته مبتلى بآراء خرافية حتى اليوم وليس كما يظن من أنها من خصائص الشرقيين فهي موجودة بين الغربيين مثلهم لو لم يكونوا أحرص عليها منهم.

مخ ۲۴۴