تفسير میزان
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرونه
قوله تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا، الند كالمثل وزنا ومعنى، ولم يقل من يتخذ لله أندادا كما عبر بذلك في سائر الموارد كقوله تعالى: "فلا تجعلوا لله أندادا": البقرة - 22، وقوله تعالى: "وجعلوا لله أندادا": إبراهيم - 30، وغير ذلك لأن المقام مسبوق بالحصر في قوله: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الآية، فكأن من اتخذ لله أندادا قد نقض الحصر من غير مجوز واتخذ من يعلم أنه ليس بإله إلها اتباعا للهوى وتهوينا لحكم عقله ولذلك نكره تحقيرا لشأنه، فقال ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا.
قوله تعالى: يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله، وفي التعبير بلفظ يحبونهم دلالة على أن المراد بالأنداد ليس هو الأصنام فقط بل يشمل الملائكة، وأفرادا من الإنسان الذين اتخذوهم أربابا من دون الله تعالى بل يعم كل مطاع من دون الله من غير أن يأذن الله في إطاعته كما يشهد به ما في ذيل الآيات من قوله: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا": البقرة - 166، وكما قال تعالى: "ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله": آل عمران - 64، وقال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله": التوبة - 31، وفي الآية دليل على أن الحب يتعلق بالله تعالى حقيقة خلافا لمن قال: إن الحب - وهو وصف شهواني - يتعلق بالأجسام والجسمانيات، ولا يتعلق به سبحانه حقيقة وإن معنى ما ورد من الحب له الإطاعة بالايتمار بالأمر والانتهاء عن النهي تجوزا كقوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله": آل عمران - 31.
والآية حجة عليهم فإن قوله تعالى: أشد حبا لله يدل على أن حبه تعالى يقبل الاشتداد، وهو في المؤمنين أشد منه في المتخذين لله أندادا، ولو كان المراد بالحب هو الإطاعة مجازا كان المعنى والذين آمنوا أطوع لله ولم يستقم معنى التفضيل لأن طاعة غيرهم ليست بطاعة عند الله سبحانه فالمراد بالحب معناه الحقيقي.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى قوله - أحب إليكم من الله ورسوله": التوبة - 25، فإنه ظاهر في أن الحب المتعلق بالله والحب المتعلق برسوله والحب المتعلق بالآباء والأبناء والأموال وغيرها جميعا من سنخ واحد لمكان قوله أحب إليكم، وأفعل التفضيل يقتضي اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى واختلافهما من حيث الزيادة والنقصان.
ثم إن الآية ذم المتخذين للأنداد بقوله: يحبونهم كحب الله ثم مدح المؤمنين بأنهم أشد حبا لله سبحانه فدل التقابل بين الفريقين على أن ذمهم إنما هو لتوزيعهم المحبة الإلهية بين الله وبين الأنداد الذين اتخذوهم أندادا.
وهذا وإن كان بظاهره يمكن أن يستشعر منه أنهم لو وضعوا له سبحانه سهما أكثر لم يذموا على ذلك لكن ذيل الآية ينفي ذلك فإن قوله: إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا، وقوله: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقوله: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، يشهد بأن الذم لم يتوجه إلى الحب من حيث إنه حب بل من جهة لازمه الذي هو الاتباع وكان هذا الاتباع منهم لهم لزعمهم أن لهم قوة يتقوون بها لجلب محبوب أو دفع مكروه عن أنفسهم فتركوا بذلك اتباع الحق من أصله أو في بعض الأمر، وليس من اتبع الله في بعض أمره دون بعض بمتبع له وحينئذ يندفع الاستشعار المذكور، ويظهر أن هذا الحب يجب أن لا يكون لله فيه سهيم وإلا فهو الشرك واشتداد هذا الحب ملازم لانحصار التبعية من أمر الله، ولذلك مدح المؤمنين بذلك في قوله والذين آمنوا أشد حبا لله.
مخ ۲۳۵