233

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

وقد مر فيما تقدم ما يظهر به بطلان هذا التوهم نقلا وعقلا، فالأفعال الاختيارية كما أن لها انتسابا إلى الله سبحانه على ما يليق به تعالى كذلك نتائجها وهي الأمور الصناعية التي يصنعها الإنسان لداعي رفع الحوائج الحيوية.

على أن الأنصاب الواقعة في الآية السابقة هي الأصنام والتماثيل المنصوبة المعبودة التي ذكر الله سبحانه أنها مخلوقة له في قوله: "والله خلقكم وما تعملون"، الآية ومن هاهنا يظهر أن فيها جهات مختلفة من النسب ينسب من بعضها إلى الله سبحانه وهي طبيعة وجودها مع قطع النظر عن وصف المعصية المتعلق بها، فإن الصنم ليس بحسب الحقيقة إلا حجرا أو فلزا عليه شكل خاص وليس فيه ما يوجب نفي انتسابه إلى موجد كل شيء، وأما أنه صنم معبود دون الله سبحانه فهذه هي الجهة التي يجب نفيها عنه تعالى ونسبتها إلى عمل غيره من شيطان أو إنسان، وكذا حكم غيره من حيث انتسابه إليه تعالى وإلى غيره.

فقد تبين من جميع ما مر أن الأمور الصناعية منتسبة إلى الخلقة كاستناد الأمور الطبيعية من غير فرق، نعم يدور الأمر في الانتساب إلى الخلقة مدار حظ الشيء من الوجود فافهم ذلك.

قوله تعالى: وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، فإن حقيقته عناصر مختلفة يحملها ماء البحار وغيره ثم يتكاثف بخارا متصاعدا حاملا للحرارة حتى ينتهي إلى زمهرير الهواء فيتبدل ماء متقاطرا على صورة المطر أو يجمد ثانيا فيصير ثلجا أو بردا فينزل لثقله إلى الأرض فتشربه وتحيا به أو تخزنه فيخرج على صورة ينابيع في الأرض بها حياة كل شيء فالماء النازل من السماء حادث من الحوادث الوجودية جار على نظام متقن غاية الإتقان من غير انتقاض واستثناء ويستند إليه انتشاء النبات وتكون الحيوان من كل نوع.

وهو من جهة تحدده بما يحفه من حوادث العالم طولا وعرضا تصير معها جميعا شيئا واحدا لا يستغني عن موجد يوجده وعلة تظهره فله إله واحد، ومن جهة أنه مما يستند إليه وجود الإنسان حدوثا وبقاء يدل على كون إلهه هو إله الإنسان.

قوله تعالى: وتصريف الرياح، وهو توجيهها من جانب إلى جانب بعوامل طبيعية مختلفة، والأغلب فيها أن الأشعة النورية الواقعة على الهواء من الشمس تتبدل حرارة فيه فيعرضه اللطافة والخفة لأن الحرارة من عواملها فلا يقدر على حمل ما يعلوه أو يجاوره من الهواء البارد الثقيل فينحدر عليه فيدفعه بشدة فيجري الهواء اللطيف إلى خلاف سمت الدفع وهو الريح، ومن منافعه تلقيح النبات ودفع الكثافات البخارية، والعفونات المتصاعدة ، وسوق السحب الماطرة وغيرها، ففيه حياة النبات والحيوان والإنسان.

وهو في وجوده يدل على الإله وفي التيامه مع سائر الموجودات واتحاده معها كما مر يدل على إله واحد للعالم، وفي وقوعه طريقا إلى وجود الإنسان وبقائه يدل على أن إله الإنسان وغيره واحد.

قوله تعالى: والسحاب المسخر بين السماء والأرض، السحاب البخار المتكاثف الذي منه الأمطار وهو ضباب بالفتح ما لم ينفصل من الأرض فإذا انفصل وعلا سمي سحابا وغيما وغماما وغير ذلك، والتسخير قهر الشيء وتذليله في عمله، والسحاب مسخر مقهور في سيره وإمطاره بالريح والبرودة وغيرهما المسلطة عليه بإذن الله، والكلام في كون السحاب آية نظير الكلام في غيره مما عد معه.

واعلم: أن اختلاف الليل والنهار والماء النازل من السماء والرياح المصرفة والسحاب المسخر جمل الحوادث العامة التي منها يتألف نظام التكوين في الأرضيات من المركبات النباتية والحيوانية وغيرهما فهذه الآية كالتفصيل بوجه لإجمال قوله تعالى: "وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين": فصلت - 10.

قوله تعالى: لآيات لقوم يعقلون، العقل - وهو مصدر عقل يعقل إدراك الشيء وفهمه التام، ومنه العقل اسم لما يميز به الإنسان بين الصلاح والفساد وبين الحق والباطل والصدق والكذب وهو نفس الإنسان المدرك وليس بقوة من قواه التي هي كالفروع للنفس كالقوة الحافظة والباصرة وغيرهما.

مخ ۲۳۴