216

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

قالوا: إن الاجتماع الإنساني مولود جميع الاحتياجات الوجودية التي يريد الإنسان أن يرفعها بالاجتماع، ويتوسل بذلك، إلى بقاء وجود الاجتماع الذي يراه بقاء وجود شخصه، وحيث إن الطبيعة محكومة لقانون التحول والتكامل كان الاجتماع أيضا متغيرا في نفسه، ومتوجها في كل حين إلى ما هو أكمل وأرقى، والحسن والقبح وهما موافقة العمل لغاية الاجتماع أعني الكمال وعدم موافقته له - لا معنى لبقائهما على حال واحد، وجمودهما على نهج فارد، فلا حسن مطلقا، ولا قبح مطلقا، بل هما دائما نسبيان مختلفان باختلاف الاجتماعات بحسب الأمكنة والأزمنة، وإذا كان الحسن والقبح نسبيين متحولين وجب التغير في الأخلاق، والتبدل في الفضائل والرذائل ومن هنا يستنتج أن الأخلاق تابعة للمرام القومي الذي هو وسيلة إلى نيل الكمال المدني والغاية الاجتماعية، لتبعية الحسن والقبح لذلك فما كان به التقدم والوصول إلى الغاية والغرض كان هو الفضيلة وفيه الحسن، وما كان يدعو إلى الوقوف والارتجاع كان هو الرذيلة، وعلى هذا فربما كان الكذب والافتراء والفحشاء والشقاوة والقساوة والسرقة والوقاحة حسنة وفضيلة إذا وقعت في طريق المرام الاجتماعي، والصدق والعفة والرحمة رذيلة قبيحة إذا أوجب الحرمان عن المطلوب، هذه خلاصة هذه النظرية العجيبة التي ذهبت إليها الاشتراكيون من الماديين، والنظرية غير حديثة، على ما زعموا، فقد كان الكلبيون من قدماء - اليونان - على ما ينقل على هذه المسلك، وكذا المزدكيون وهم أتباع مزدك الذي ظهر بإيران على عهد كسرى ودعا إلى الاشتراك كان عملهم على ذلك، ويعهد من بعض القبائل الوحشية بإفريقية وغيرهم.

وكيف كان فهو مسلك فاسد والحجة التي أقيمت على هذه النظرية فاسدة من حيث البناء والمبنى معا.

توضيح ذلك: أنا نجد كل موجود من هذه الموجودات العينية الخارجية يصحب شخصية تلازمه، ويلزمها أن لا يكون الموجود بسببه عين الموجود الآخر ويفارقه في الوجود، كما أن وجود زيد يصحب شخصية ونوع وحدة لا يمكن معها أن يكون عين عمرو، فزيد شخص واحد، وعمرو شخص آخر، وهما شخصان اثنان، لا شخص واحد، فهذه حقيقة لا شك فيها وهذا غير ما نقول: إن عالم المادة موجود ذو حقيقة واحدة شخصية فلا ينبغي أن يشتبه الأمر.

وينتج ذلك: أن الوجود الخارجي عين الشخصية، لكن المفاهيم الذهنية يخالف الموجود الخارجي في هذا الحكم فإن المعنى كيف ما كان يجوز العقل أن يصدق على أكثر من مصداق واحد كمفهوم الإنسان ومفهوم الإنسان الطويل، ومفهوم هذا الإنسان القائم أمامنا، وأما تقسيم المنطقيين المفهوم إلى الكلي والجزئي، وكذا تقسيمهم الجزئي إلى الإضافي والحقيقي فإنما هو تقسيم بالإضافة والنسبة، إما نسبة أحد المفهومين إلى الآخر وإما نسبته إلى الخارج، وهذا الوصف الذي في المفاهيم - وهو جواز الانطباق على أكثر من واحد - ربما نسميه بالإطلاق كما نسمي مقابله بالشخصية أو الوحدة.

ثم الموجود الخارجي ونعني به الموجود المادي خاصة لما كان واقعا تحت قانون التغير والحركة العمومية كان لا محالة ذا امتداد منقسما إلى حدود وقطعات، كل قطعة منها تغاير القطعة الأخرى مما تقدم عليها أو تأخر عنها، ومع ذلك فهي مرتبطة بها بوجودها، إذ لو لا ذلك لم يصدق معنى التغير والتبدل لأن أحد شيئين إذا عدم من أصله، والآخر وجد من أصله لم يكن ذلك تبدل هذا من ذاك، بل التبدل الذي يلازم كل حركة إنما يتحقق بوجود قدر مشترك في الحالين جميعا.

ومن هنا يظهر أن الحركة أمر واحد بشخصه يتكثر بحسب الإضافة إلى الحدود، فيتعين بكل نسبة قطعة تغاير القطعة الأخرى، وأما نفس الحركة فسيلان وجريان واحد شخصي، ونحن ربما سمينا هذا الوصف في الحركة إطلاقا في مقابل النسب التي لها إلى كل حد حد، فنقول: الحركة المطلقة بمعنى قطع النظر عن إضافتها إلى الحدود.

ومن هنا يظهر أن المطلق بالمعنى الثاني أمر واقعي موجود في الخارج، بخلاف المطلق بالمعنى الأول فإن الإطلاق بهذا المعنى وصف ذهني لموجود ذهني، هذا.

مخ ۲۱۷