213

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

وأما ما افترضه الباحثون في علم النفس الجديد في أمر النفس وهو أنه الحالة المتحدة الحاصلة من تفاعل الحالات الروحية، من الإدراك والإرادة والرضا والحب وغيرها المنتجة لحالة متحدة مؤلفة فلا كلام لنا فيه، فإن لكل باحث أن يفترض موضوعا ويضعه موضوعا لبحثه، وإنما الكلام فيه من حيث وجوده وعدمه في الخارج والواقع مع قطع النظر عن فرض الفارض وعدمه، وهو البحث الفلسفي كما هو ظاهر على الخبير بجهات البحث.

وقال قوم آخرون من نفاة تجرد النفس من المليين: إن الذي يتحصل من الأمور المربوطة بحياة الإنسان كالتشريح والفيزيولوجي أن هذه الخواص الروحية الحيوية تستند إلى جراثيم الحياة والسلولات التي هي الأصول في حياة الإنسان وسائر الحيوان، وتتعلق بها، فالروح خاصة وأثر مخصوص فيها لكل واحد منها أرواح متعددة فالذي يسميه الإنسان روحا لنفسه ويحكي عنه بأنا مجموعة متكونة من أرواح غير محصورة على نعت الاتحاد والاجتماع، ومن المعلوم أن هذه الكيفيات الحيوية والخواص الروحية تبطل بموت الجراثيم والسلولات وتفسد بفسادها فلا معنى للروح الواحدة المجردة الباقية بعد فناء التركيب البدني غاية الأمر أن الأصول المادية المكتشفة بالبحث العلمي لما لم تف بكشف رموز الحياة كان لنا أن نقول: إن العلل الطبيعية لا تفي بإيجاد الروح فهي معلولة لموجود آخر وراء الطبيعة، وأما الاستدلال على تجرد النفس من جهة العقل محضا فشيء لا يقبله ولا يصغي إليه العلوم اليوم لعدم اعتمادها على غير الحس والتجربة، هذا.

أقول: وأنت خبير بأن جميع ما أوردناه على حجة الماديين وارد على هذه الحجة المختلقة من غير فرق ونزيدها أنها مخدوشة أولا: بأن عدم وفاء الأصول العلمية المكتشفة إلى اليوم ببيان حقيقة الروح والحياة لا ينتج عدم وفائها أبدا ولا عدم انتهاء هذه الخواص إلى العلل المادية في نفس الأمر على جهل منا، فهل هذا إلا مغالطة وضع فيها العلم بالعدم مكان عدم العلم؟.

وثانيا: بأن استناد بعض حوادث العالم - وهي الحوادث المادية - إلى المادة، وبعضها الآخر وهي الحوادث الحيوية إلى أمر وراء المادة - وهو الصانع - قول بأصلين في الإيجاد، ولا يرتضيه المادي ولا الإلهي، وجميع أدلة التوحيد يبطله.

وهنا إشكالات أخر أوردوها على تجرد النفس مذكورة في الكتب الفلسفية والكلامية غير أن جميعها ناشئة عن عدم التأمل والإمعان فيما مر من البرهان، وعدم التثبت في تعقل الغرض منه، ولذلك أضربنا عن إيرادها، والكلام عليها، فمن أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى مظانها، والله الهادي.

مخ ۲۱۴