210

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام): أن الأرواح في صفة الأجساد في شجر من الجنة، تعارف وتساءل، فإذا قدمت الروح على الأرواح تقول: دعوها، فإنها قد أقبلت من هول عظيم ثم يسألونها ما فعل فلان، وما فعل فلان فإن قالت لهم: تركته حيا ارتجوه، وإن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى هوى.

أقول: والروايات في باب البرزخ كثيرة، وإنما نقلنا ما فيه جوامع معنى البرزخ، وفي المعاني المنقولة روايات مستفيضة كثيرة، وفيها دلالة على نشأة مجردة عن المادة.

بحث فلسفي

هل النفس مجردة عن المادة؟ ونعني بالنفس ما يحكي عنه كل واحد منا بقوله، أنا وبتجردها عدم كونها أمرا ماديا ذا انقسام وزمان ومكان.

إنا لا نشك في أنا نجد من أنفسنا مشاهدة معنى نحكي عنه: بأنا، ولا نشك أن كل إنسان هو مثلنا في هذه المشاهدة التي لا نغفل عنه حينا من أحيان حياتنا وشعورنا، وليس هو شيئا من أعضائنا، وأجزاء بدننا التي نشعر بها بالحس أو بنحو من الاستدلال كأعضائنا الظاهرة المحسوسة بالحواس الظاهرة من البصر واللمس ونحو ذلك، وأعضائنا الباطنة التي عرفناها بالحس والتجربة.

فإنا ربما نغفل عن كل واحد منها وعن كل مجموع منها حتى عن مجموعها التام الذي نسميه بالبدن، ولا نغفل قط عن المشهود الذي نعبر عنه: بأنا، فهو غير البدن وغير أجزائه.

وأيضا لو كان هو البدن أو شيئا من أعضائه أو أجزائه: أو خاصة من الخواص الموجود فيها - وهي جميعا مادية، ومن حكم المادة التغير التدريجي وقبول الانقسام والتجزي - لكان ماديا متغيرا وقابلا للانقسام وليس كذلك فإن كل أحد إذا رجع إلى هذه المشاهدة النفسانية اللازمة لنفسه، وذكر ما كان يجده من هذه المشاهدة منذ أول شعوره بنفسه وجده معنى مشهودا واحدا باقيا على حاله من غير أدنى تعدد وتغير، كما يجد بدنه، وأجزاء بدنه والخواص الموجودة معها متغيرة متبدلة من كل جهة، في مادتها وشكلها، وسائر أحوالها وصورها، وكذا وجده معنى بسيطا غير قابل للانقسام والتجزي، كما يجد البدن وأجزاءه وخواصه - وكل مادة وأمر مادي كذلك - فليست النفس هي البدن، ولا جزءا من أجزائه، ولا خاصة من خواصه، سواء أدركناه بشيء من الحواس أو بنحو من الاستدلال، أو لم ندرك، فإنها جميعا مادية كيفما فرضت، ومن حكم المادة التغير، وقبول الانقسام، والمفروض أن ليس في مشهودنا المسمى بالنفس شيء من هذه الأحكام فليست النفس بمادية بوجه.

وأيضا هذا الذي نشاهده نشاهده أمرا واحدا بسيطا ليس فيه كثرة من الأجزاء ولا خليط من خارج بل هو واحد صرف فكل إنسان يشاهد ذلك من نفسه ويرى أنه هو وليس بغيره فهذا المشهود أمر مستقل في نفسه، لا ينطبق عليه حد المادة ولا يوجد فيه شيء من أحكامها اللازمة، فهو جوهر مجرد عن المادة، متعلق بالبدن نحو تعلق يوجب اتحادا ما له بالبدن وهو التعلق التدبيري وهو المطلوب.

وقد أنكر تجرد النفس جميع الماديين، وجمع من الإلهيين من المتكلمين، والظاهريين من المحدثين، واستدلوا على ذلك، وردوا ما ذكر من البرهان بما لا يخلو عن تكلف من غير طائل.

قال الماديون: إن الأبحاث العلمية على تقدمها وبلوغها اليوم إلى غاية الدقة في فحصها وتجسسها لم تجد خاصة من الخواص البدنية إلا وجدت علتها المادية، ولم تجد أثرا روحيا لا يقبل الانطباق على قوانين المادة حتى تحكم بسببها بوجود روح مجردة.

مخ ۲۱۱