تفسير میزان
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرونه
وأفاد: أن الأشياء - وهي بين بدئها وعودها - تجري على ما يستدعيه بدؤها، ويحكم به حظها من السعادة والشقاء، والخير والشر، فقال تعالى: "كل يعمل على شاكلته": إسراء - 84، وقال: "ولكل وجهة هو موليها": البقرة - 148، وسيجيء توضيح دلالتها جميعا، والغرض هاهنا مجرد الإشارة إلى ما يتم به البحث، وهو أن هذه الأخبار الحاكية عن كون هذه الأشياء الطبيعية، من الجنة، أو من النار، إذا كانت ملازمة لوجه السعادة أو الشقاوة لا تخلو عن وجه صحة، لمطابقتها لأصول قرآنية ثابتة في الجملة، وإن لم يستلزم ذلك كون كل واحد واحد صحيحا، يصح الركون إليه، فافهم المراد.
وربما قال القائل: إن قوله تعالى: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل" الآية ظاهر في أنهما، هما اللذان بنيا هذا البيت لعبادة الله تعالى في تلك البلاد الوثنية، ولكن القصاصين ومن تبعهم من المفسرين، جاءونا من ذلك بغير ما قصه الله تعالى علينا، وتفننوا في رواياتهم، عن قدم البيت، وعن حج آدم، وعن ارتفاعه إلى السماء وقت الطوفان، وعن كون الحجر الأسود من أحجار الجنة، وقد أراد هؤلاء القصاصون أن يزينوا الدين ويرقشوه برواياتهم هذه، وهذه التزيينات بزخارف القول، وإن أثرت أثرها في قلوب العامة، لكن أرباب اللب والنظر من أهل العلم يعلمون أن الشرف المعنوي الذي أفاضه الله سبحانه، بتكريم بعض الأشياء على بعض، فشرف البيت إنما هو بكونه بيتا لله، منسوبا إليه، وشرف الحجر الأسود بكونه موردا للاستلام بمنزلة يد الله سبحانه وأما كون الحجر في أصله ياقوتة، أو درة، أو غير ذلك، فلا يوجب مزية فيه، وشرفا حقيقيا له، وما الفرق بين حجر أسود، وحجر أبيض، عند الله تعالى في سوق الحقائق، فشرف هذا البيت بتسمية الله تعالى إياه بيته، وجعله موضعا لضروب من عبادته، لا تكون في غيره - كما تقدم - لا بكون أحجاره تفضل سائر الأحجار، ولا بكون موقعه تفضل سائر المواقع، ولا بكونه من السماء، وعالم الضياء وكذلك شرف الأنبياء على غيرهم من البشر ليس لمزية في أجسامهم، ولا في ملابسهم، وإنما هو لاصطفاء الله تعالى إياهم، وتخصيصهم بالنبوة، التي هي أمر معنوي، وقد كان أهل الدنيا أحسن زينة، وأكثر نعمة منهم.
قال: وهذه الروايات فاسدة، في تناقضها وتعارضها في نفسها، وفاسدة في عدم صحة أسانيدها، وفاسدة في مخالفتها لظاهر الكتاب.
قال: وهذه الروايات خرافات إسرائيلية، بثها زنادقة اليهود في المسلمين، ليشوهوا عليهم دينهم، وينفروا أهل الكتاب منه.
أقول: ما ذكره لا يخلو من وجه في الجملة، إلا أنه أفرط في المناقشة، فاعترضه من خبط القول ما هو أردى وأشنع.
أما قوله: إن هذه الروايات فاسدة أولا من جهة التناقض والتعارض وثانيا من جهة مخالفة الكتاب، ففيه أن التناقض أو التعارض إنما يضر لو أخذ بكل واحد واحد منها، وأما الأخذ بمجموعها من حيث المجموع بمعنى أن لا يطرح الجميع لعدم اشتمالها على ما يستحيل عقلا أو يمنع نقلا فلا يضره التعارض الموجود فيها وإنما نعني بذلك: الروايات الموصولة إلى مصادر العصمة، كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والطاهرين من أهل بيته، وأما غيرهم من مفسري الصحابة، والتابعين، فحالهم حال غيرهم من الناس وحال ما ورد من كلامهم الخالي عن التناقض، حال كلامهم المشتمل على التناقض وبالجملة لا موجب لطرح رواية، أو روايات، إلا إذا خالفت الكتاب أو السنة القطعية، أو لاحت منها لوائح الكذب والجعل، كما لا حجية إلا للكتاب والسنة القطعية، في أصول المعارف الدينية الإلهية.
فهناك ما هو لازم القبول، وهو الكتاب والسنة القطعية، وهناك ما هو لازم الطرح، وهو ما يخالفهما من الآثار، وهناك ما لا دليل على رده، ولا على قبوله، وهو ما لا دليل من جهة العقل على استحالته، ولا من جهة النقل أعني: الكتاب والسنة القطعية على منعه.
وبه يظهر فساد إشكاله بعدم صحة أسانيدها فإن ذلك لا يوجب الطرح ما لم يخالف العقل أو النقل الصحيح.
مخ ۱۶۹