167

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

أقول: هذا الذي لخصناه من أخبار القصة هو الذي تشتمل عليه الروايات الواردة في خلاصة القصة، وقد اشتملت عدة منها، وورد في أخبار أخرى: أن تاريخ بناء البيت يتضمن أمورا خارقة للعادة، ففي بعض الأخبار، أن البيت أول ما وضع كان قبة من نور، نزلت على آدم، واستقرت في البقعة التي بنى إبراهيم عليها البيت، ولم تزل حتى وقع طوفان نوح، فلما غرقت الدنيا رفعه الله تعالى، ولم تغرق البقعة، فسمي لذلك البيت العتيق.

وفي بعض الأخبار: أن الله أنزل قواعد البيت من الجنة.

وفي بعضها: أن الحجر الأسود نزل من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج فاسودت: لما مسته أيدي الكفار.

وفي الكافي، أيضا عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن الله أمر إبراهيم ببناء الكعبة، وأن يرفع قواعدها، ويري الناس مناسكهم، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم ساقا، حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود، وقال أبو جعفر (عليه السلام): فنادى أبو قبيس: أن لك عندي وديعة، فأعطاه الحجر، فوضعه موضعه.

وفي تفسير العياشي، عن الثوري عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الحجر، فقال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنة، الحجر الأسود استودعه إبراهيم، ومقام إبراهيم، وحجر بني إسرائيل.

وفي بعض الأخبار: أن الحجر الأسود كان ملكا من الملائكة.

أقول: ونظائر هذه المعاني كثيرة واردة في أخبار العامة والخاصة، وهي وإن كانت آحادا غير بالغة حد التواتر لفظا، أو معنى، لكنها ليست بعادمة النظير في أبواب المعارف الدينية ولا موجب لطرحها من رأس.

أما ما ورد من نزول القبة على آدم، وكذا سير إبراهيم إلى مكة بالبراق، ونحو ذلك، مما هو كرامة خارقة لعادة الطبيعة، فهي أمور لا دليل على استحالتها، مضافا إلى أن الله سبحانه خص أنبياءه بكثير من هذه الآيات المعجزة، والكرامات الخارقة، والقرآن يثبت موارد كثيرة منها.

وأما ما ورد من نزول قواعد البيت من الجنة ونزول الحجر الأسود من الجنة، ونزول حجر المقام - ويقال: إنه مدفون تحت البناء المعروف اليوم بمقام إبراهيم - من الجنة وما أشبه ذلك، فذلك كما ذكرنا كثير النظائر ، وقد ورد في عدة من النباتات والفواكه وغيرها: أنها من الجنة، وكذا ما ورد: أنها من جهنم، ومن فورة الجحيم، ومن هذا الباب أخبار الطينة القائلة: إن طينة السعداء من الجنة، وإن طينة الأشقياء من النار، أو هما من عليين، وسجين، ومن هذا الباب أيضا ما ورد: أن جنة البرزخ في بعض الأماكن الأرضية، ونار البرزخ في بعض آخر، وأن القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، إلى غير ذلك، مما يعثر عليه المتتبع البصير في مطاوي الأخبار، وهي كما ذكرنا بالغة في الكثرة حدا ليس مجموعها من حيث المجموع بالذي يطرح أو يناقش في صدوره أو صحة انتسابه وإنما هو من إلهيات المعارف التي سمح بها القرآن الشريف، وانعطف إلى الجري على مسيرها الأخبار الذي يقضي به كلامه تعالى: أن الأشياء التي في هذه النشأة الطبيعية المشهودة جميعا نازلة إليها من عند الله سبحانه، فما كانت منها خيرا جميلا، أو وسيلة خير، أو وعاء لخير، فهو من الجنة، وإليها تعود، وما كان منها شرا، أو وسيلة شر، أو وعاء لشر، فهو من النار، وإليها ترجع، قال تعالى: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم: الحجر - 21، أفاد: أن كل شيء موجود عنده تعالى وجودا غير محدود بحد، ولا مقدر بقدر، وعند التنزيل - وهو التدريج في النزول - يتقدر بقدره ويتحدد بحده، فهذا على وجه العموم، وقد ورد بالخصوص أيضا أمثال قوله تعالى: "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج": الزمر - 6، وقوله تعالى: "وأنزلنا الحديد": الحديد - 25، وقوله تعالى: "وفي السماء رزقكم وما توعدون": الذاريات - 22، على ما سيجيء من توضيح معناها إن شاء الله العزيز، فكل شيء نازل إلى الدنيا من عند الله سبحانه، وقد أفاد في كلامه: أن الكل راجع إليه سبحانه، فقال: "وأن إلى ربك المنتهى": النجم - 42، وقال تعالى: "إلى ربك الرجعى": العلق - 8، قال: "وإليه المصير": المؤمن - 3، وقال تعالى: "ألا إلى الله تصير الأمور": الشورى - 53، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

مخ ۱۶۸