143

تفسير میزان

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرونه

تفسیر

2 سورة البقرة - 106 - 107

ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السموت والأرض وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير (107)

بيان

الآيتان في النسخ ومن المعلوم أن النسخ بالمعنى المعروف عند الفقهاء وهو الإبانة عن انتهاء أمد الحكم وانقضاء أجله اصطلاح متفرع على الآية مأخوذ منها ومن مصاديق ما يتحصل من الآية في معنى النسخ على ما هو ظاهر إطلاق الآية.

قوله تعالى: ما ننسخ، النسخ هو الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل إذا أزالته وذهبت به، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان": الحج - 51، ومنه أيضا قولهم: نسخت الكتاب إذا نقل من نسخة إلى أخرى فكأن الكتاب أذهب به وأبدل مكانه ولذلك بدل لفظ النسخ من التبديل في قوله تعالى: "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون": النحل - 101، وكيف كان فالنسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحققها بل الحكم حيث علق بالوصف وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بها من التعليل في الآية بقوله تعالى: ألم تعلم، إلخ أفاد ذلك أن المراد بالنسخ هو إذهاب أثر الآية من حيث إنها آية، أعني إذهاب كون الشيء آية وعلامة مع حفظ أصله فبالنسخ يزول أثره من تكليف أو غيره مع بقاء أصله وهذا هو المستفاد من اقتران قوله: ننسها بقوله: ما ننسخ، والإنساء إفعال من النسيان وهو الإذهاب عن العلم كما أن النسخ هو الإذهاب عن العين فيكون المعنى ما نذهب بآية عن العين أو عن العلم نأت بخير منها أو مثلها.

ثم إن كون الشيء آية يختلف باختلاف الأشياء والحيثيات والجهات، فالبعض من القرآن آية لله سبحانه باعتبار عجز البشر عن إتيان مثله، والأحكام والتكاليف الإلهية آيات له تعالى باعتبار حصول التقوى والقرب بها منه تعالى، والموجودات العينية آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها وبخصوصيات وجودها عن خصوصيات صفاته وأسمائه سبحانه، وأنبياء الله وأولياؤه تعالى آيات له تعالى باعتبار دعوتهم إليه بالقول والفعل وهكذا، ولذلك كانت الآية تقبل الشدة والضعف قال الله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى": النجم - 18.

ومن جهة أخرى الآية ربما كانت في أنها آية ذات جهة واحدة وربما كانت ذات جهات كثيرة، ونسخها وإزالتها كما يتصور بجهته الواحدة كإهلاكها كذلك يتصور ببعض جهاتها دون بعض إذا كانت ذات جهات كثيرة، كالآية من القرآن تنسخ من حيث حكمها الشرعي وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها ونحو ذلك.

وهذا الذي استظهرناه من عموم معنى النسخ هو الذي يفيده عموم التعليل المستفاد من قوله تعالى: ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير، ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض، وذلك أن الإنكار المتوهم في المقام أو الإنكار الواقع من اليهود على ما نقل في شأن نزول الآية بالنسبة إلى معنى النسخ يتعلق به من وجهين: أحدهما: من جهة أن الآية إذا كانت من عند الله تعالى كانت حافظة لمصلحة من المصالح الحقيقية لا تحفظها شيء دونها، فلو زالت الآية فاتت المصلحة ولن تقوم مقامها شيء تحفظ به تلك المصلحة، ويستدرك به ما فات منها من فائدة الخلقة ومصلحة العباد، وليس شأنه تعالى كشأن عباده ولا علمه كعلمهم بحيث يتغير بتغير العوامل الخارجية فيتعلق يوما علمه بمصلحة فيحكم بحكم ثم يتغير علمه غدا ويتعلق بمصلحة أخرى فاتت عنه بالأمس، فيتغير الحكم، ويقضي ببطلان ما حكم سابقا، وإتيان آخر لاحقا، فيطلع كل يوم حكم، ويظهر لون بعد لون، كما هو شأن العباد غير المحيطين بجهات الصلاح في الأشياء، فكانت أحكامهم وأوضاعهم تتغير بتغير العلوم بالمصالح والمفاسد زيادة ونقيصة وحدوثا وبقاء، ومرجع هذا الوجه إلى نفي عموم القدرة وإطلاقها.

مخ ۱۴۴