196

ذاتياتكم ، أو في الأسباب الطبيعية التي تفرضها طبيعة الأشياء في ذاتها ، الأمر الذي جعل مسألة الحياة بحاجة إلى إرادة الخالق القادر الذي يبدع الحياة في التراب ، ويحول الدم إلى نطفة ، لتتطور النطفة في مسيرة الحياة إلى علقة ، فمضغة ، فعظام ، فلحم ، فإنسان سوي ، تتحرك فيه الروح ، وينفتح فيه الإحساس ، ( فأحياكم )، وكانت الحياة هي التي تختصر تفاصيل وجودكم في الوعي والحس والحركة والإبداع والإنتاج ، في عملية تكامل مع الوجود الذي ينسجم مع وجودكم ، وتفاعل مع الحياة في تنوعاتها ، ومع الإنسان الآخر في عطاءاته الكثيرة ، وهي التي تنفتح على المسؤوليات التي تجعل لكل طاقة قدرا من المسؤولية في بناء الذات على الصورة التي يريدها الله وبناء المجتمع على المنهج الذي يرضاه ، لتكون الحياة حياة العقل والحس والوعي والانفتاح على الطاقات الداخلية والخارجية للحياة وللإنسان ، ( ثم يميتكم )، لتدخلوا من جديد في غياهب الموت الذي يفصلكم عن هذه الحياة التي أبدعها الله فيكم ، فيغيب وجودكم عنها ، ويبتعد دوركم عن ساحاتها ، وينقطع أثركم منها ، ولكنه ليس الموت الأبدي الذي يموت فيه الوجود بالمطلق ، بل هو الموت الذي تعقبه الحياة في أفق آخر ، وبعد جديد ، وعالم أوسع ، هو عالم الآخرة الذي يطل على الغيب ليضعه في متناول الحس الإنساني ، ( ثم يحييكم )، لأن القادر على إبداع الحياة أولا قادر على إبداعها ثانيا ، لأن القدرة على الإعادة من موقع المثال الحي أكثر سهولة من إبداع الخلق من دون مثال.

وإذا كان الله هو الذي أطلق لكم البداية من إرادته وقدرته ، فمنه المبدأ الذي يعيدكم إلى رعايته من جديد. ( ثم إليه ترجعون ) لتواجهوا مسئولياتكم أمامه ، ليكون لكم الاستقرار الموعود في ثوابه أو عقابه.

إنها الحقيقة الوجودية الإلهية التي ينطلق الحس في دلالاتها ، ويتحرك الإمكان العقلي في نهاياتها ، وهي التي تفرض نفسها على العقل ليعرف الله ،

مخ ۲۰۵