220

Tafsir Ibn Kathir

تفسير ابن كثير

ایډیټر

سامي بن محمد السلامة

خپرندوی

دار طيبة للنشر والتوزيع

شمېره چاپونه

الثانية

د چاپ کال

۱۴۲۰ ه.ق

ژانرونه

تفسیر
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)﴾
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أَيْ: يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ، وَلَا يجحدون ما جاؤوهم بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ ﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ أَيْ: بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْحِسَابِ، وَالْمِيزَانِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بَعْدَ الدُّنْيَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمَوْصُوفِينَ هَاهُنَا: هَلْ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٣] وَمَنْ هُمْ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ:
أَحَدُهُمَا (١): أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ أَوَّلًا هُمُ الْمَوْصُوفُونَ ثَانِيًا، وَهُمْ كُلُّ مُؤْمِنٍ، مُؤْمِنُو الْعَرَبِ وَمُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ.
وَالثَّانِي: هُمَا وَاحِدٌ، وَهُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَى هَذَيْنِ تَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةُ صِفَاتٍ عَلَى صِفَاتٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾ [الْأَعْلَى: ١-٥] وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِلَى الْمَلِكِ القَرْم وَابْنِ الهُمام ... وليثِ الْكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَم ...
فَعَطَفَ الصِّفَاتِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ أَوَّلًا مُؤْمِنُو الْعَرَبِ، وَالْمَوْصُوفُونَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الْآيَةَ مُؤْمِنُو (٢) أَهْلِ الْكِتَابِ، نَقَلَهُ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَيُسْتَشْهَدُ لِمَا قَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٩]، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الْقَصَصِ: ٥٢-٥٤] . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي، وَرَجُلٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ أَدَّبَ جَارِيَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا" (٣) .
وَأَمَّا ابْنُ جَرِيرٍ فَمَا اسْتَشْهَدَ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ إِلَّا بِمُنَاسَبَةٍ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، فَكَمَا أَنَّهُ صَنَّفَ الْكَافِرِينَ إِلَى صِنْفَيْنِ: مُنَافِقٌ وَكَافِرٌ، فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ صَنَّفَهُمْ إِلَى عَرَبِيٍّ وَكِتَابِيٍّ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ فِيمَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عن

(١) في جـ، ط، ب، أ، و: "أحدها".
(٢) في جـ، ط، ب: "لمؤمني".
(٣) صحيح البخاري برقم (٩٧) وصحيح مسلم برقم (١٥٤) .

1 / 170