Tafsir Ibn Atiyyah
تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ) - ۵۴۱ ه.ق
پوهندوی
عبد السلام عبد الشافي محمد
خپرندوی
دار الكتب العلمية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٢ هـ
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
العيش، واجْعَلْ لفظه الأمر وهو في حق الله تعالى رغبة ودعاء، وآمِنًا معناه من الجبابرة والمسلطين والعدو المستأصل والمثلاث التي تحل بالبلاد.
وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء فيه ولا نبات، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره، ونبتت فيها أنواع الثمرات.
وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل صلوات الله عليه فاقتلع فلسطين، وقيل قطعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوجّ، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف.
واختلف في تحريم مكة متى كان؟ فقالت فرقة: جعلها الله حراما يوم خلق السموات والأرض، وقالت فرقة: حرمها إبراهيم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق ﵁: والأول قاله النبي ﷺ في خطبته ثاني يوم الفتح، والثاني قاله أيضا النبي ﷺ، ففي الصحيح عنه: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها حرام»، ولا تعارض بين الحديثين، لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان، والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور، وكل مقال من هذين الإخبارين حسن في مقامه، عظم الحرمة ثاني يوم الفتح على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى، وذكر إبراهيم عند تحريمه المدينة مثالا لنفسه، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه، ومِنَ بدل من قوله أَهْلَهُ، وخص إبراهيم المؤمنين بدعائه.
وقوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ الآية قال أبي بن كعب وابن إسحاق وغيرهما: هذا القول من الله ﷿ لإبراهيم، وقرؤوا «فأمتّعه» بضم الهمزة وفتح الميم وشد التاء، «ثم اضطرّه» بقطع الألف وضم الراء، وكذلك قرأ السبعة حاشا ابن عامر، فإنه قرأ «فأمتعه» بضم الهمزة وسكون الميم وتخفيف التاء، «ثُمَّ أَضْطَرُّهُ» بقطع الألف، وقرأ يحيى بن وثاب «فأمتعه» كما قرأ ابن عامر «ثم اضطره» بكسر الهمزة على لغة قريش في قولهم لا إخال، وقرأ أبي بن كعب «فنمتعه» «ثم نضطره»، ومِنَ شرط والجواب في فَأُمَتِّعُهُ، وموضع مِنَ رفع على الابتداء والخبر، ويصح أن يكون موضعها نصبا على تقدير وأرزق من كفر، فلا تكون شرطا.
وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هذا القول هو من إبراهيم ﷺ، وقرؤوا «فأمتعه» بفتح الهمزة وسكون الميم «ثم اضطره» بوصل الألف وفتح الراء، وقرئت بالكسر، ويجوز فيها الضم، وقرأ ابن محيصن «ثم اطّره» بإدغام الضاد في الطاء، وقرأ يزيد بن أبي حبيب «ثم اضطره» بضم الطاء.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق ﵁: فكأن إبراهيم ﵇ دعا للمؤمنين وعلى الكافرين.
وقَلِيلًا معناه مدة العمر، لأن متاع الدنيا قليل، وهو نعت إما لمصدر كأنه قال: متاعا قليلا، وإما
1 / 209