Tafsir Ibn Atiyyah
تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ) - ۵۴۱ ه.ق
پوهندوی
عبد السلام عبد الشافي محمد
خپرندوی
دار الكتب العلمية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٢ هـ
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
فمعنى الآية أن منهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أنهم يسمعون من الأحبار أشياء مختلقة يظنونها من الكتاب، وإن نافية بمعنى ما، والظن هنا على بابه في الميل إلى أحد الجائزين.
قوله ﷿:
[سورة البقرة (٢): الآيات ٧٩ الى ٨٢]
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)
الذين في هذه الآية يراد بهم الأحبار والرؤساء، قال الخليل: الويل شدة الشر، وقال الأصمعي:
الويل القبوح وهو مصدر لا فعل له، ويجمع على ويلات، والأحسن فيه إذا انفصل الرفع، لأنه يقتضي الوقوع، ويصح النصب على معنى الدعاء أي ألزمه الله ويلا، وويل وويح وويس وويب تتقارب في المعنى، وقد فرق بينها قوم، وروى سفيان وعطاء بن يسار أن الويل في هذه الآية: واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا، وقال أبو عياض: إنه صهريج في جهنم، وروى عثمان بن عفان ﵁ عن النبي ﷺ أنه جبل من جبال النار. وحكى الزهراوي عن آخرين أنه باب من أبواب جهنم، والذين يَكْتُبُونَ: هم الأحبار الذين بدلوا التوراة.
وقوله تعالى: بِأَيْدِيهِمْ بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم الله، وفرق بين من كتب وبين من أمر، إذ المتولي للفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله، وإن كان رأيا له، وقال ابن السراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم، والذي بدلوا هو صفة النبي ﷺ ليستديموا رياستهم ومكاسبهم، وقال ابن إسحاق: كانت صفته في التوراة أسمر ربعة، فردوه آدم طويلا، وذكر السدي أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدلون فيها صفة النبي ﷺ ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في أتباعهم ويقولون هي من عند الله، وتناسق هذه الآية على التي قبلها يعطي أن هذا الكتب والتبديل إنما هو للأتباع الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرىء لهم.
والثمن قيل عرض الدنيا، وقيل الرشا والمآكل التي كانت لهم، ووصفه بالقلة إما لفنائه وإما لكونه حراما، وكرر الويل لتكرار الحالات التي استحقوه بها، ويَكْسِبُونَ معناه من المعاصي والخطايا، وقيل من المال الذي تضمنه ذكر الثمن.
وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآية، روى ابن زيد وغيره أن سببها أن النبي ﷺ قال لليهود: من أهل النار؟ فقالوا: نحن ثم تخلفوننا أنتم، فقال لهم: كذبتم لقد علمتم أنا لا
1 / 170