Tafsir Ibn Atiyyah
تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ) - ۵۴۱ ه.ق
پوهندوی
عبد السلام عبد الشافي محمد
خپرندوی
دار الكتب العلمية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٢ هـ
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
الذين حرفوا التوراة في صفة محمد ﷺ، وقيل المراد كل من حرف في التوراة شيئا حكما أو غيره كفعلهم في آية الرجم ونحوها، وقال ابن إسحاق والربيع: عني السبعون الذين سمعوا مع موسى ﷺ ثم بدلوا بعد ذلك.
قال القاضي أبو محمد ﵀: وفي هذا القول ضعف، ومن قال إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى ﵇ واختصاصه بالتكليم، وقرأ الأعمش: «كلم الله»، وتحريف الشيء إحالته من حال إلى حال، وذهب ابن عباس ﵁ إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باق، وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظا من تلقائهم وأن ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها، وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه.
قوله ﷿:
[سورة البقرة (٢): الآيات ٧٦ الى ٧٨]
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)
المعنى: وهم أيضا إذا لقوا يفعلون هذا، فكيف يطمع في إيمانهم؟ ويحتمل أن يكون هذا الكلام مستأنفا مقطوعا من معنى الطمع، فيه كشف سرائرهم.
وورد في التفسير أن النبي ﷺ قال: «لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن»، فقال كعب بن الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما: اذهبوا وتحسسوا أخبار من آمن بمحمد وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم، فنزلت هذه الآية فيهم، وقال ابن عباس: نزلت في منافقين من اليهود، وروي عنه أيضا أنها نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين نحن نؤمن أنه نبي ولكن ليس إلينا، وإنما هو إليكم خاصة، فلما خلوا قال بعضهم: لم تقرون بنبوته وقد كنا قبل نستفتح به؟ فهذا هو الذي فتح الله عليهم من علمه، وأصل خَلا «خلو» تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، وقال أبو العالية وقتادة: إن بعض اليهود تكلم بما في التوراة من صفة محمد ﷺ، فقال لهم كفرة الأحبار: أتحدثون بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي عرفكم من صفة محمد ﷺ فيحتجون عليكم إذ تقرون به ولا تؤمنون به؟، وقال السدي: إن بعض اليهود حكى لبعض المسلمين ما عذب به أسلافهم، فقال بعض الأحبار: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ من العذاب، فيحتجون عليكم ويقولون نحن أكرم على الله حين لم يفعل بنا مثل هذا؟، وفتح على هذا التأويل بمعنى حكم، وقال مجاهد: إن رسول الله ﷺ قال لبني قريظة: يا إخوة الخنازير والقردة، فقال الأحبار لأتباعهم: ما عرف هذا إلا من عندكم، أتحدثونهم؟ وقال ابن زيد: كانوا إذا سئلوا عن شيء، قالوا في التوراة كذا وكذا، فكرهت الأحبار ذلك، ونهوا في الخلوة عنه، ففيه نزلت الآية.
والفتح في اللغة ينقسم أقساما تجمعها بالمعنى التوسعة وإزالة الإبهام، وإلى هذا يرجع الحكم
1 / 168