تفسير بحر محیط
البحر المحيط في التفسير
پوهندوی
صدقي محمد جميل
خپرندوی
دار الفكر
د ایډیشن شمېره
١٤٢٠ هـ
د خپرونکي ځای
بيروت
عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ، وَالزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، إِذْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللفظ السابق، ومنعه القراء مِنْ أَجْلِ لَا فِي قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ، وَلَمْ يُسَوِّغْ فِي النَّصْبِ غَيْرَ الْحَالِ، قَالَ لِأَنَّ لَا، لَا تُزَادُ إِلَّا إِذَا تَقَدَّمَ النَّفْيُ، نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ ... وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ جَعْلَ لَا صِلَةً، أَيْ زائدة مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ «١»
وَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَنْ لَا تسخرا وقول الأحوص:
ويلجئني فِي اللَّهْوِ أَنْ لَا أحبه ... واللهو دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلٍ
قَالَ الطَّبَرِيُّ أَيْ أَنْ تَسْخَرَ وَأَنْ أُحِبَّهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ إِرَادَةُ أَنْ لَا أُحِبَّهُ، فَلَا فِيهِ مُتَمَكِّنَةٌ، يَعْنِي فِي كَوْنِهَا نَافِيَةً لَا زَائِدَةً، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا عَلَى زِيَادَتِهَا بِبَيْتٍ أَنْشَدَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَهُوَ:
أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ مِنْ فَتًى لا يمنع الجود قائله
وَزَعَمُوا أَنَّ لَا زَائِدَةٌ، وَالْبُخْلَ مَفْعُولٌ بِأَبَى، أَيْ أَبَى جُودُهُ الْبُخْلَ، وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ، بَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّ لَا مَفْعُولٌ بِأَبَى، وَأَنَّ لَفْظَةَ لَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَصَارَ إِسْنَادًا لَفْظِيًّا، وَلِذَلِكَ قَالَ:
وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ نَعَمْ، فَجَعَلَ نَعَمْ فَاعِلَةً بِقَوْلِهِ اسْتَعْجَلَتْ، وَهُوَ إِسْنَادٌ لَفْظِيٌّ، وَالْبُخْلُ بَدَلٌ مِنْ لَا أَوْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَقِيلَ انْتَصَبَ غَيْرُ بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَعَزَى إِلَى الْخَلِيلِ، وَهَذَا تَقْدِيرٌ سَهْلٌ، وَعَلَيْهِمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالْمَغْضُوبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَفِي إِقَامَةِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَقَامَ الْفَاعِلِ، إِذَا حُذِفَ خِلَافٌ ذُكِرَ فِي النَّحْوِ. وَمِنْ دَقَائِقِ مَسَائِلِهِ مَسْأَلَةٌ يُغْنِي فِيهَا عَنْ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ ذُكِرَتْ فِي النحو، وَلَا فِي قَوْلِهِ: وَلَا الضَّالِّينَ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى النَّفْيِ، لِأَنَّ غَيْرَ فِيهِ النَّفْيَ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَا الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، وَعَيَّنَ دُخُولَهَا الْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ لِمُنَاسَبَةِ غَيْرَ، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ بِتَرْكِهَا عَطْفُ الضَّالِّينَ عَلَى الَّذِينَ. وَقَرَأَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ، وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي الرَّاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ النَّصْبُ وَالْخَفْضُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ هُمْ غَيْرُ الضَّالِّينَ، وَالتَّأْكِيدُ فِيهَا أَبْعَدُ، وَالتَّأْكِيدُ فِي لَا أَقْرَبُ، وَلِتَقَارُبِ مَعْنَى غَيْرِ مِنْ مَعْنَى لَا، أَتَى الزَّمَخْشَرِيُّ بِمَسْأَلَةٍ لِيُبَيِّنَ بِهَا تَقَارُبَهُمَا فَقَالَ: وَتَقُولُ أَنَا زَيْدًا غَيْرُ
(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٢.
1 / 51