مُساويًا، بل جعلتَ للَّه مشاركًا نازِلا عَنْ عِلم اللَّه، فَاللَّهُ أَعلَم.
لَكن إِذَا قلت: إِنَّ اللَّهَ عالم، جعلتَ للَّه عِلْمًا قد يُساويه غَيرُه فيهِ.
فالصَّواب أَنَّ ﴿أَعْلَمُ﴾ اسمُ تفضيلٍ، وأنها عَلَى بَابِهَا.
وقوله: ﴿أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ فِعْلًا، أو بِمَنْ يَستَحِقُّ أَنْ يَكونَ مِنَ المهتَدينَ، إذَا قلنَا: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أو بِمَن هُوَ قابِلٌ للهداية؛ لأَنَّ الكَلَامَ الآنَ عَلَى إنشاء الهداية في قَلب المَرْءِ.
وقوله: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ ليس معناه: الَّذينَ اهتَدَوا، بَل مَعنَاه: أَعلَم بمَن يَستَحقُّ أَنْ يَقْبَلَ الهُدى، ولهذا فَسَّرَهُ بعضُهم بالمهتدين في عِلم اللَّه، أي: مَن عَلِمَ اللَّهُ أنهم سيكونون مهتدين.
فعلى كُلّ حَالٍ: المهتدي معناه: مَن كَانَ قابِلًا للهِداية، ومعناه: مَن اهتدى بالفِعل، وَالمرَاد بالآية الأول، يعني: أَعلَم بِمَن يَقْبَل الهداية، فيهديه.
والجمع بَينَ هَذِهِ الآيَةِ، وَبَينَ الآيَة الَّتي أَشَرنَا إلَيهَا قَبلَ قليل، ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أَنَّ المُثْبَتَ غيرُ المنفي، فالمراد مِن قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ هداية الدَّلَالة، كَقَولِه ﵎: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، هديناهم معناه: دَلَلْنَاهم عَلَى الهُدَى، ولكنهم استَحَبُّوا العمى عَلَيه، فَلَم يَهْتَدُوا، وأَمَّا الهداية هنا، فهي هدايةُ التوفيق، وهذه لَيسَت لأَحَد، مَا هيَ إلَّا للَّه ﷾.