المُهِمُّ: أن ذِكْر المُفَسِّر ﵀ لهذين الأَمْرين فقَطِ المرادُ به التَّمثيلُ لا الحصرُ، فالكذِب على الله تعالى كثير، وبعضُها أشَدُّ من بعض.
وقوله تعالى: ﴿كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾ أيِ: افتَرى عليه الكذِب، إمَّا بنِسْبة الشريك إليه، أو بأنه حرَّم شيئًا ولم يُحرِّمه، أو أحَلَّ شيئًا ولم يُحِلَّه، أو أَوجَب شيئًا ولم يُوجِبه، أو عطَّل صِفةً من صِفاته أو أَثبَت له ما لم يَصِفْ به نَفْسه، أو غير ذلك ممَّا يَكون فيه الكذِب على الله تعالى، فلا أحَدَ أَظلَمُ ممَّن كذَب على الله تعالى، والكذِب على الله تعالى ليس كالكذِب على البَشَر، والكذِب على الرسول ﷺ ليس كالكذِب على غيره من البشَر، قال النبيُّ ﷺ: "إِنَّ كذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (١).
قال ﵀: [﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾ بالقُرآن ﴿إِذْ جَاءَهُ﴾]، ولا شَكَّ أن القرآن صِدْق، بل إنه صِدْقٌ وعَدْل كما قال ﷾: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥]، فهو باعتِبار الأخبار صِدْق، وباعتِبار الأحكام عَدْل، لكن المَسأَلة أعَمُّ ممَّا قال المُفَسِّر ﵀؛ فقوله تعالى: ﴿بِالصِّدْقِ﴾ أي: بما كان صادِقًا سواءٌ في القرآن أو في السُّنَّة، فإنه داخِلٌ في قوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ﴾ فجَمَع بين الأَمْرين (كذَّب بالصِّدْق) أي: نسَب الصِّدقَ إلى الكَذِب فقال: هذا كذِبٌ. ومن ذلك: تَكذيب قُريشٍ للرسول ﷺ حيث قالوا: إنه ساحِرٌ كذَّاب.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، رقم (١٢٩١)، ومسلم في مقدمة صحيحه، باب تغليظ الكذب على رسول الله ﷺ، رقم (٤)، من حديث المغيرة بن شعبة ﵁.