تعالى في سورةِ هودٍ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ [هودٍ: ١٢١].
وقولُهُ: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾؛ أي: على الوجْهِ الذي أُمِرْتَ من غيرِ زيادةٍ ولا نَقْصٍ ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ وأهواؤُهُم التي نُهِيَ عن اتِّباعِهَا ما يُخالفُ ما أُمِرَ به. ولهذا قال الشارحُ ﵀: [في تَرْكِهِ].
قولُهُ: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ قل: مُعلنًا لهم ولغيْرِهِم، ﴿آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ آمنتُ بمعنى: أقررتُ، والإيمانُ هو الإقرارُ المستلزِمُ للقَبولِ والإذعانِ. وليس مجرَّدَ الإقرارِ، ولهذا نقولُ: إنَّ أبا طالبٍ ليس بمؤمنٍ، مع أنَّه مُقِرٌّ بِرِسَالةِ النبيِّ ﷺ فإنَّه كان يقولُ في لامِيَّتِه المشهورةِ (^١):
لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ... لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ
ويقولُ (^٢):
ولقد علمتُ بأنَّ دينَ محمَّدٍ ... من خيرِ أديانِ البريَّة دِينَا
لولا الملامةُ أو حذارُ مَسَبَّةٍ ... لَوَجَدْتُنِي سَمْحًا بذاك مُبينَا
ولكنه - والعياذُ باللهِ - قد سَبَقَتْ له من اللهِ الشقاوةُ، فكان آخِرَ ما قال: أنه على ملةِ عبدِ المُطَّلِبِ، وصَرَّحَ في تلك الحالِ أنه لولا أن قَوْمَه يلومونه ويقولون: عندما أَيِسَ من الحياةِ آمَنَ لآمَنْتُ، هكذا يقولُ - والعياذُ باللهِ - وهو في سياقِ الموتِ.
فقولُهُ: ﴿آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ نقولُ: الإيمانُ هو: الإقرارُ المستلزِمُ للقبولِ والإذعانِ، أبو طالبٍ مُقرٌّ لكنه لم يَقْبَلْ، ولم يُذْعِنْ فصار كافرًا،
(^١) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٢٨٠)، وديوان أبي طالب (ص: ٨٤).
(^٢) انظر: تهذيب اللغة (١٠/ ١١١)، وخزانة الأدب (٢/ ٧٦)، وديوان أبي طالب (ص: ٨٧، ١٨٩).