قوله: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ إلا قليلًا من اليهود فإنهم سالمون من هذه الأوصاف والعيوب، مثل عبد الله بن سلام ﵁، وهو من أحبار اليهود حبر من أحبارهم وعالم من علمائهم وليس فيه شيء من هذه الأوصاف، بل من حين قدم النبي ﵊ المدينة آمن به واتبعه وشهد له بالحق. وله أمثال: فمنهم من هو سالم من هذه العيوب، والأوصاف الذميمة لكنهم قليل ولهذا قال: ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾.
قوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ "اعف عنهم": هل العفو عن القليل الذين لا خيانة فيهم، أو عن جميعهم؟ قيل: الضمير يعود على أقرب مذكور وهو القليل، يعني فاعف عن هؤلاء القليل الذين تقدم منهم الأذى والعداوة لرسالتك، ثم زالت أوصافهم السيئة، فيكون المراد: اعف عما مضى من سيئاتهم، وعلى هذا المعنى لا إشكال في الآية إطلاقًا. أي: اعف عن القليل الذين سلموا من الأوصاف الذميمة؛ لأن هؤلاء القليل كانوا يهودًا وكان منهم ما كان من المنابذة ونقض العهد لكن آمنوا، فنقول: على هذا التقدير لا إشكال في الآية إطلاقًا، لكن إذا قلنا: اعف عنهم أي: عن مجموعهم مع اتصافهم بهذه الأوصاف وخيانتهم، يبقى في ذلك إشكال وهو أن النبي ﷺ قاتل اليهود بأمر الله، قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)﴾ [التوبة: ٢٩]. فكيف الجمع؟