بدنه وعمَّه بالماء كان ذلك مجزئًا؛ لأن الله تعالي قال: ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ ولم يُفَصِّل.
وقال بعض الناس: بل يجب الغسل كما اغتسل النبي ﷺ فإن هذه الآية مجملة، وبيَّنتها السنة النبوية، وعلي هذا فلا بد أن يكون الاغتسال كاغتسال النبي ﷺ، وهذا كقوله: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ فبيَّن الرسول ﵊ كيفية إقامتها وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (^١). ولكن هذا ضعيف، والصواب أنه لا يشترط فيه الترتيب، ويدل لذلك: أنه ثبت في صحيح البخاري في قصة الرجل الذي لم يره النبي ﷺ يصلي بعد أن انتهي من صلاته، فسأله: لماذا لم تصلِّ؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، يعني: ليس عندي ماء أغتسل به، فقال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" وبعد ذلك جيء بالماء وانتهي الناس من الشرب وسَقْي إبلهم فقال النبي ﷺ حين بقي بقية قال لهذا الرجل: "خذ هذا فأفرغه على نفسك" (^٢) فأخذه الرجل واغتسل، ووجه الدلالة: أن النبي ﷺ لم يذكر له كيف يغتسل، قال: أفرغه على نفسك، وعلي هذا فيكون هذا الحديث موافقًا لظاهر القرآن، وهو أن الواجب في الغسل أن يعم البدن على أي كيفية كانت، لكن لا شك أن اتباع السنة أولي.
فإن قال قائل: إذا انغمس الرجل في بركة أو في بحر ناويًا رفع الحدث من الجنابة ثم خرج فهل يكفيه؟
(^١) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، حديث رقم (٦٠٥) عن مالك بن الحويرث.
(^٢) رواه البخاري، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم، حديث رقم (٣٣٧) عن عمران.