283

Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Furqan

تفسير العثيمين: الفرقان

خپرندوی

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

شمېره چاپونه

الأولى

د چاپ کال

١٤٣٦ هـ

د خپرونکي ځای

المملكة العربية السعودية

ژانرونه

الجواب: الظاهرُ أن أحكامَهم مثل أحكامِ الإنسِ، فالرَّسولُ بُعِثَ إليهم، وهذا من الاعتداء، ولهذا يُذكَر أنَّ شيخَ الإسلامِ ابن تَيْمِيَّة ﵀ كان إذا أُتِيَ إليه بمصروعٍ وَعَظَهُ وزَجَرَهُ (^١)، وبَيَّنَ له أن الاعتداءَ عَلَى المسلمِ محرَّم، ممَّا يدلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَعتقِدون تحريمَ ذلك، وأَنَّهُمْ مُلْزَمُون بِهِ.
وقد سبقتْ هَذِهِ المسألةُ، وَهِيَ: هل تكليف الجنِّ كتكليفِ الإنسِ؟
قُلْنَا: إن ظاهرَ النصوصِ أَنَّهُمْ مساوون لهم؛ لِأَنَّ الرَّسولَ بُعِثَ إليهم جميعًا، ولم نعلمْ أن شريعةً تَخُصُّهم، ولَكِن مَن نظر إِلَى الحِكْمَة مِنَ التشريعِ وجدَ أن اللَّه يَشْرَعُ لكلِّ أحدٍ ما يُناسِبُهُ، فعلى هَذَا يَكُونُ تكليفُ الجنِّ يخالفُ تكليفَ الانسِ، ويُكَلَّفُون بما يَلِيق بهم، ويدل عَلَى هَذَا أنَّ اللَّهَ جَعَلَ لهم كلَّ عظمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه يَجِدُونه أوفرَ ما يَكُونُ لَحْمًا (^٢)، مِمَّا يدلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُخالِفُونَ الإنسَ؛ لِأَنَّ الإنسَ لا يَحْصُل لهم ذلك. وأيضًا الإنسُ أنفسهم يختلفونَ فِي التكليفِ بِحَسَبِ الحالِ؛ فتكليفُ الغنيِّ بالزكاةِ لا يساويه تكليفُ الفقيرِ؛ لِأَنَّهُ لا مالَ عنده، وتكليف القادر عَلَى العِبَادَةِ لا يساويه تكليف العاجزِ عنها؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الوصف الَّذِي لَزِمَ فِيهِ التكليفُ.
فالظاهرُ -واللَّهُ أَعْلَمُ- أنْ يقالَ: أُصُولُ العِبَادَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ مكلَّفون بِهَا، وَأَمَّا صفاتُ العِبَادَةِ، وفروع العِبَادَةِ، فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ أن يَكُونوا مُساوِينَ للإنسِ؛ لأَنَّهُمْ يَختلِفون عنهم فِي الحقيقةِ، والشريعة تَقتضِي أنْ يُشْرَعَ لكلِّ إنْسَانٍ ما يناسبه.
لَوْ قَالَ قَائِل: هَؤُلَاءِ الجنُّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لَقُوا النَّبيَّ ﷺ مرَّةً وَاحِدةً، فهل أعطاهم النَّبيُّ ﷺ تشريعاتٍ أمِ انقطعَ تكليفُهُمْ؟

(^١) الفتاوى الكبرى (٥/ ٣٤٧).
(^٢) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، رقم (٤٥٠).

1 / 288