تفسير الشعراوي
تفسير الشعراوي
ژانرونه
[لقمان: 33]. إن الحق سبحانه وتعالى يفصل لنا هذا الأمر بدقة، فإذا كان الآباء لا يعقلون فماذا عن موقف الأبناء؟. إن على الأبناء أن يصلحوا أنفسهم بمنهج الحق. وقد وردت في سورة المائدة آية أخرى بالمعنى نفسه ولكن بخلاف في اللفظ، فهنا في سورة البقرة يقول الحق: { وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله } [البقرة: 170]. وفي آية سورة المائدة يقول الحق:
وإذا قيل لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنآ أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون
[المائدة: 104]. وبين الآيتين اتفاق واختلاف، فقوله الحق هنا: " اتبعوا ما أنزل الله " وهي تعني أن نمعن النظر وأن نطبق منهج الله. وآية سورة المائدة " تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول " هذا هو الخلاف الأول. والخلاف الثاني في الآيتين هو في جوابهم على كلام الحق، ففي هذه السورة - سورة البقرة - قالوا: " بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " وهذا القول فيه مؤاخذة لهم. لكنهم في سورة المائدة قالوا: " حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا " ، وهذه تعني أنهم اكتفوا بما عندهم ونفوا اتباع منهج السماء، وهذا الموقف أقوى وأشد نفيا، لذلك نجد أن الحق لم يخاطبهم في هذه الآية ب " اتبعوا " بل قال لهم: " تعالوا " أي ارتفعوا من حضيض ما عندكم إلى الإيمان بمنهج السماء.
وما دمتم قد قلتم: حسبنا بملء الفم فهذا يعني أنكم اكتفيتم بما أنتم عليه. وكلمة " حسبنا " فيها بحث لطيف لأن من يقول هذه الكلمة قد حسب كلامه واكتفى، وكلمة الحساب تدل على الدقة، والحساب يفيد العدد والأرقام. فقولهم: " حسبنا " تعني أنهم حسبوا الأمر واكتفوا به ونجد كل ورود لهذه الكلمة في القرآن يفيد أنها مرة تأتي لحساب الرقم المادي، ومرة تأتي لحساب الإدراك الظني. فالحق يقول:
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون
[العنكبوت: 2]. ومعناها: هل ظن الناس أن يتركوا دون اختبار لإيمانهم؟. هذا حساب ليس بالرقم، وإنما حساب بالفكر، والحساب بالفكر يمكن أن يخطئ، ولذلك نسميه الظن. والحق سبحانه يقول:
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون
[المؤمنون: 115]. إذن، فكلمة " حساب " تأتي مرة بمعنى الشيء المحسوب والمعدود، ومرة تأتي في المعنويات، ونعرفها بالفعل، فإذا قلت: حسب يحسب فالمعنى عد. وإذا قلت: حسب يحسب فهي للظن. وفيه ماض وفيه مضارع، إن كنت تريد العد الرقمي الذي لا يختلف فيه أحد تقول: " حسب بفتح السين في الماضي وبكسرها في المضارع يحسب ". وإن أردت بها حسبان الظن الذي يحدث فيه خلل تقول: " حسب " بالكسر، والمضارع " يحسب " بالفتح. وعندما يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن حساب الآخرة، فمعنى ذلك أنه شيء محسوب، لكن إذا بولغ في المحسوب يكون حسبانا، وكما نقول: " غفر غفرا " و " شكر شكرا " ، يمكن أن نقول: " غفر غفرانا " و " شكر شكرانا ". كذلك " حسب حسبانا " ، والحسبان هو الحساب الدقيق جدا الذي لا يخطئ أبدا. ولذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى بكلمة " حسبان " في الأمور الدقيقة التي خلقت بقدر ونظام دقيق إن اختل فيها شيء يحدث خلل في الكون، فيقول:
الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان
[الرحمن: 1-5]. أي أن الكون يسير بنظام دقيق جدا لا يختل أبدا، لأنه لو حدث أدنى خلل في أداء الشمس والقمر لوظيفتيهما فنظام الكون يفسد. لذلك لم يقل الحق: " الشمس والقمر بحساب " ، وإنما قال: " بحسبان " وبعد ذلك فيه فرق بين " الحسبان " و " المحسوب بالحسبان " والحق سبحانه وتعالى حينما يقول:
ناپیژندل شوی مخ