فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله..
[القصص: 29]. قضى الأجل هنا بمعنى أتم الأجل وفي قوله تعالى:
وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون
[يونس: 54]. أي حكم وفصل بينهم.. وقوله جل جلاله:
وقضينآ إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين..
[الإسراء: 4]. بمعنى أعلمنا بني إسرائيل في كتابهم.. إذن " قضى " لها معان متعددة يحددها السياق.. ولكن هناك معنى تلتقي فيه كل المعاني.. وهو قضى أي حكم وهذا هو المعنى الأم. إذن معنى قوله تعالى: { إذا قضى أمرا } [البقرة: 117].. أي إذا حكم بحكم فإنه يكون.. على أننا يجب أن نلاحظ قول الحق: { وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن } [البقرة: 117].. معنى يقول له أن الأمر موجود عنده.. موجود في علمه.. ولكنه لم يصل إلى علمنا.. أي أنه ليس أمرا جديدا.. لأنه ما دام الله سبحانه وتعالى قال: " يقول له ".. كأنه جل جلاله يخاطب موجودا .. ولكن هذا الموجود ليس في علمنا ولا نعلم عنه شيئا.. وإنما هو موجود في علم الله سبحانه وتعالى.. ولذلك قيل إن لله أمورا يبديها ولا يبتديها.. إنها موجودة عنده لأن الأقلام رفعت، والصحف جفت.. ولكنه يبديها لنا نحن الذين لا نعلمها فنعلمها.
[2.118]
الحق سبحانه وتعالى حين قال: { الذين لا يعلمون } [البقرة: 118].. أي لا يعلمون عن كتاب الله شيئا لأنهم كفار.. وهؤلاء سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم الله.. ومعنى أن يكلمهم الله أن يسمعوا كلاما من الله سبحانه.. كما سمع موسى كلام الله. وماذا كانوا يريدون من كلام الله تبارك وتعالى.. أكانوا يريدون أن يقول لهم الله إنه أرسل محمدا رسولا ليبلغهم بمنهج السماء.. وكأن كل المعجزات التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسها القرآن الكريم - لم تكن كافية لإقناعهم.. مع أن القرآن كلام معجز وقد أتى به رسول أمي.. سألوه عن أشياء حدثت فأوحى الله بها إليه بالتفصيل.. جاء القرآن ليتحدى في أحداث المستقبل وفي أسرار النفس البشرية.. وكان ذلك يكفيهم لو أنهم استخدموا عقولهم ولكنهم أرادوا العناد كلما جاءتهم آية كذبوا بها وطلبوا آية أخرى.. والله سبحانه وتعالى قد أبلغنا أنه لا يمكن لطبيعة البشر أن تتلقى عن الله مباشرة.. واقرأ قوله سبحانه:
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورآء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشآء..
[الشورى: 51]. إذن فالبشر حتى المصطفى من الله والمؤهل للتلقي عن الله.. لا يكلمه الله إلا وحيا أو إلهام خاطر أو من وراء حجاب كما كلم موسى.. أو يرسل رسولا مبلغا للناس لمنهج الله.. أما الاتصال المباشر فهو أمر تمنعه بشرية الخلق. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: { أو تأتينآ آية } [البقرة: 118].. والآيات التي يطلبها الكفار ويأتي بها الله سبحانه وتعالى ويحققها لهم.. لا يؤمنون بها بل يزدادون كفرا وعنادا.. والله جل جلاله يقول:
ناپیژندل شوی مخ