170

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

ژانرونه

كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين

[البقرة: 180]. وهكذا جعلها في أول الأمر وصية ولم تكن ميراثا.. لماذا؟ لأن الإنسان إن مات فهو الحلقة الموصولة بأبيه.. أما أبناؤه فحلقة أخرى.. ولما استقرت الأحكام في النفوس وأقبلت على تنفيذ ما أمر به الله.. جعل سبحانه المسألة فرضا.. فيستوفى الحكم. ويقول جل جلاله:

يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نسآء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بهآ أو دين آبآؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما

[النساء: 11]. وهكذا بعد أن كان نصيب الوالدين في تركة الإبن وصية.. إن شاء أوصى بها وإن شاء لم يوص أصبحت فرضا.. وقوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } [البقرة: 106].. أي كل شيء يدخل في إرادة الله وقدرته سبحانه.. إذا قلنا إذا جاء الله بحكم لعصر فهذا هو قمة الخير.. لأنه إذا عدل الحكم بعد أن أدى مهمته في عصره، فإن الحكم الجديد الذي يأتي هو قمة الخير أيضا.. لأن الله على كل شيء قدير، يواجه كل عصر بقمة الخير للموجودين فيه.. ولذلك فمن عظمة الله أنه لم يأت بالحكم خبرا من عنده ولكنه أشرك فيه المخاطب.. فلم يقل سبحانه " إن الله على كل شيء قدير ".. ولكنه قال: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } [البقرة: 106].. لأنه واثق أن كل من يسمع سيقول نعم.. وهذا ما يعرف بالاستفهام الإنكاري أو التقريري.

[2.107]

وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هناك آيات نسخت في القرآن.. أراد أن يوضح لنا أنه سبحانه له طلاقة القدرة في كونه يفعل ما يشاء.. ولذلك بدأ الآية الكريمة: { ألم تعلم } [البقرة: 107].. وهذا التعبير يسمى الاستفهام الاستنكاري أو التقريري.. لأن السامع لا يجد إلا جوابا واحدا بأنه يقر ما قاله الله تبارك وتعالى.. ويقول نعم يا رب أنت الحق وقولك الحق. قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض } [البقرة: 107].. الملك يقتضي مالكا ويقتضي مملوكا.. ويقتضي قدرة على استمرار هذا الملك وعدم زواله.. فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه يقدر ويملك المقدرة.. والإنسان ليست له قدرة التملك ولا المقدرة على استبقاء ما يملكه.. والإنسان لا يملك الفعل في الكون.. إن أراد مثلا أن يبني عمارة قد لا يجد الأرض.. فإن وجد الأرض قد لا يجد العامل الذي يبني.. فإن وجده قد لا يجد مواد البناء.. فإن وجد هذا كله قد تأتي الحكومة أو الدولة وتمنع البناء على هذه الأرض.. أو أن تكون الأرض ملكا لإنسان آخر فتقام القضايا ولا يتم البناء. والحق سبحانه وتعالى يقول: { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض } [البقرة: 107].. أي أن كل شيء في الوجود هو ملك لله وهو يتصرف بقدرته فيما يملك.. ولذلك عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.. كان اليهود يملكون المال ولهم معرفة ببعض العلم الدنيوي لذلك سادوا المدينة.. وبدأوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين.. والله تبارك وتعالى طمأن رسوله بأن طلاقة القدرة في الكون هي لله وحده.. وأنه إذا كان لهم ملك فإنه لا يدوم لأن الله ينزع الملك ممن يشاء ويعطيه لمن يشاء.. ولذلك حينما يأتي يوم القيامة ويهلك الله الأرض ومن عليها.. يقول سبحانه:

لمن الملك اليوم..

[غافر: 16]. ويرد جل جلاله بشهادة الذات للذات فيقول:

لله الواحد القهار

[غافر: 16]. وما دام الله هو المالك وحده.. فإنه يستطيع أن ينزع من اليهود وغيرهم ومن الدنيا كلها ما يملكونه.. ويحدثنا العلماء أن العسس وهم الجنود الذين يسيرون ليلا لتفقد أحوال الناس وجدوا شخصا يسير ليلا.. فلما تقدموا منه جرى فجروا وراءه إلى أن وصل إلى مكان خرب ليستتر فيه.. تقدم العسس وأمسكوا به وإذا بهم يجدون جثة قتيل في المكان.. فقالوا له أنت القاتل لأنك جريت حين رأيتنا ولأنك موجود الآن في المكان الذي فيه جثة القتيل.

ناپیژندل شوی مخ