[الشعراء: 3-4]. أي أنهم لا يستطيعون ألا يؤمنوا إذا أردناهم مؤمنين قهرا.. ولكننا نريدهم مؤمنين اختيارا.. وإيمان العبد هو الذي ينتفع به.. فالله لا ينتفع بإيمان البشر.. وقولنا لا إله إلا الله لا يسند عرش الله.. قلناها أو لم نقلها.. فلا إله إلا الله.. ولكننا نقولها لتشهد علينا يوم القيامة.. نقولها لتنجينا من أهوال يوم القيامة ومن غضب الله.. وقوله تعالى: " بكفرهم " يعطينا قضية مهمة هي: أنه تبارك وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك. فمن يشرك معه أحدا فهو لمن أشرك.. لذلك يقول الحق جل جلاله في الحديث القدسي:
" أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "
وشهادة الله سبحانه وتعالى لنفسه بالألوهية.. هي شهادة الذات للذات.. وذلك في قوله تعالى:
شهد الله أنه لا إله إلا هو..
[آل عمران: 18]. فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق خلقا يشهدون أنه لا إله إلا الله.. شهد لنفسه بالألوهية.. ولنقرأ الآية الكريمة:
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط..
[آل عمران: 18]. والله سبحانه وتعالى شهد لنفسه شهادة الذات للذات. والملائكة شهدوا بالمشاهدة.. وأولو العلم بالدليل.. والحق تبارك وتعالى يقول: { فقليلا ما يؤمنون } [البقرة: 88].. عندما تقول قليلا ما يحدث كذا، فإنك تقصد به هنا صيانة الاحتمال، لأنه من الممكن أن يثوب واحد منهم إلى رشده ويؤمن.. فيبقي الله الباب مفتوحا لهؤلاء. ولذلك نجد الذين أسرفوا على أنفسهم في شبابهم قد يأتون في آخر عمرهم ويتوبون.. في ظاهر الأمر أنهم أسرفوا على أنفسهم.. ولكنهم عندما تابوا واعترفوا بخطاياهم وعادوا إلى طريق الحق تقبل الله إيمانهم.. لذلك يقول الله جل جلاله: { فقليلا ما يؤمنون } [البقرة: 88] أي أن الأغلبية تظل على كفرها.. والقلة هي التي تعود إلى الإيمان.
[2.89]
بعد أن بين لنا الله سبحانه وتعالى.. أن بني إسرائيل قالوا إن قلوبهم غلف لا يدخلها شعاع من الهدى أو الإيمان.. أراد تبارك وتعالى أن يعطينا صورة أخرى لكفرهم بأنه أنزل كتابا مصدقا لما معهم ومع ذلك كفروا به.. ولو كان هذا الكتاب مختلفا عن الذي معهم لقلنا إن المسألة فيها خلاف.. ولكنهم كانوا قبل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن كانوا يؤمنون بالرسول والكتاب الذي ذكر عندهم في التوراة.. وكانوا يقولون لأهل المدينة.. أهل زمن رسول سنؤمن به ونتبعه ونقتلكم قبل عاد وإرم. لقد كان اليهود يعيشون في المدينة.. وكان معهم الأوس والخزرج وعندما تحدث بينهم خصومات كانوا يهددونهم بالرسول القادم.. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا به وبما أنزل عليه من القرآن. واليهود في كفرهم كانوا أحد أسباب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لأن الأوس والخرزج عندما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام قالوا هذا النبي الذي يهددنا به اليهود وأسرعوا يبايعونه.. فكأن اليهود سخرهم الله لنصرة الإسلام وهم لا يشعرون. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى الناس في الطائف.. وينتظر القبائل عند قدومها إلى مكة في موسم الحج ليعرض عليهم الدعوة فيصدونه ويضطهدونه.. وعندما شاء الله أن ينتشر دعوة الإسلام جاء الناس إلى مكة ومعهم الأوس والخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهب هو إليهم، وأعلنوا مبايعته والإيمان برسالته ونشر دعوته.. دون أن يطلب عليه الصلاة والسلام منهم ذلك.. ثم دعوه ليعيش بينهم في دار الإيمان.. كل هذا تم عندما شاء الله أن ينصر الإسلام بالهجرة إلى المدينة وينصره بمن اتبعوه. ويقول الحق تبارك وتعالى: { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } [البقرة: 89].. أي أنهم قبل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستفتحون بأنه قد أطل زمن رسول سنؤمن به ونتبعه.. فلما جاء الرسول كذبوه وكفروا برسالته. وقوله تعالى: { على الذين كفروا } [البقرة: 89].. أي كفار المدينة من الأوس والخزرج الذين لم يكونوا أسلموا بعد.. لأن الرسول لم يأت.. الحق سبحانه وتعالى يعطينا تمام الصورة في قوله تعالى: { فلما جآءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } [البقرة: 89]. وهكذا نرى أن بني إسرائيل فيهم جحود مركب، جاءهم الرسول الذي انتظروه وبشروا به.. ولكن أخذهم الكبر رغم أنهم موقنون بمجيء الرسول الجديد وأوصافه موجودة عندهم في التوراة إلا أنهم رفضوا أن يؤمنوا فاستحقوا بذلك لعنة الله.. واللعنة كما قلنا هي الطرد من رحمة الله.
[2.90]
ناپیژندل شوی مخ