ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى
[الحج: 52] لو قلنا تمنى بمعنى قرأ، ثم أن الله ينسخ ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته.. إذن هو سبحانه لن يترك رسوله يخطئ.. وبذلك ضمنا أن كل ما ينتهي إليه الرسول صواب.. وأن كل ما وصلنا عن الرسول محكم.. فنطمئن إلى أنه ليس هناك شيء يمكن أن يلقيه الشيطان في تمني الرسول ويصلنا دون أن ينسخ. فإذا قلنا: إن الله ينسخ ما يلقي الشيطان فما الذي جعلكم تعرفون ما ألقاه الشيطان ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لكم إلا المحكم.. ثم من هو الرسول؟ بشر أوحي إليه بمنهج من السماء وأمر بتبليغه.
. ومن هو النبي؟.. بشر أوحي إليه بمنهج. ولم يؤمر بتبليغه.. وما دام لم يؤمر بتبليغه يكون خاصا بهذا النبي.. ويكون النبي قدوة سلوكية.. لأنه يطبق منهج الرسول الذي قبله فهو لم يأتي بجديد. الآية الكريمة جاءت بكلمتي رسول أو نبي.. إذا كان معنى أمنية الشيطان مستقيما بالنسبة للرسول فهو غير مستقيم بالنسبة للنبي.. لأن النبي لا يقرأ شيئا، وما دام النبي ذكر في الآية الكريمة فلابد أن يكون للتمني معنى آخر غير القراءة.. لأن النبي لم يأت بكلام يقرؤه على الناس.. فكأنه سيقرأ كلاما محكما ليس فيه أمنية الشيطان أي قراءته. إن التمني لا يأتي بمعنى قراءة الشيطان.. وأمنية الرسول والنبي أن ينجحا في مهمتهما.. فالرسول كمبلغ لمنهج الله.. النبي كأسوة سلوكية.. المعنى هنا يختلف.. الرسول أمنيته أن يبلغ منهج الله .. والشيطان يحاول أن ينزع المنهج من قلوب الناس.. هذا هو المعنى.. والله سبحانه وتعالى حين يحكم آياته ينصر الإيمان ليسود منهج الله في الأرض وتنتظم حركة الناس.. هذا هو المعنى. وكلمة تمني في هذه الآية الكريمة بمعنى أن الرسول أو النبي يحب أن يسود منهجه الأرض.. والشيطان يلقي العراقيل والله يحكم آياته وينصر الحق. ويجب أن نفهم الآية على هذا المعنى.. بهذا ينتفي تماما ما يدعيه المستشرقون من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يقرأ ما يوحى إليه يستطيع الشيطان أن يتدخل ويضع كلاما في الوحي.. مستحيل. وقوله تعالى: { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } [البقرة: 78].. معناها أنه يأتي قوم لا يعرفون شيئا عن الكتاب إلا ظنا.. فيصدقهم هؤلاء الأميون دون علم.. وكان الله سبحانه يريد أن يلفتنا إلى أن كثيرا من المذاهب الدينية في الأرض ينشأ عن المبلغين لها.. فهناك أناس يأتمنون آخرين ليقولوا لهم ما انتهت إليه الأحكام الدينية.. فيأتي الأمي أو غير المثقف يسأل عالما عن حكم من الأحكام الشرعية.. ثم يأخذ منه الحكم ويطبقه دون أن يناقشه.. لأن علمه قد انتهى عند السؤال عن الفتوى.. والحق سبحانه وتعالى كما يقول:
ولا تزر وازرة وزر أخرى..
[الأنعام: 164]. أي لا يحمل أحد ذنب أحد يوم القيامة.. فيقول تعالى:
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم..
[النحل: 25]. بعض الناس يظن أن الآيتين بينهما تعارض.. نقول لا.. من يرتكب إثما يحاسب عليه.. ومن يضل غيره بفتوى غير صحيحة يحل له بها ما حرم الله.. فإنه يحمل معاصيه ومعاصي من أضل.. فيكون له وزر لأنه ضل، ووزر لأنه أضل غيره.
. بل وأكثر من ذلك.. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "
ولابد أن نتنبه إلى خطورة الفتوى في الدين بغير علم.. الفتوى في الدنيا أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه هو أن تجعلك تخسر صفقة.. لكن الفتوى في الدين ستدوم عمرا طويلا.. الحق تبارك وتعالى يقول: { وإن هم إلا يظنون } [البقرة: 78].. والظن كما قلنا هو نسبة راجحة ولكن غير مؤكدة.. وإذا كان التمني كما ورد في اللغة هو القراءة.. فهؤلاء الأميون لا يعلمون الكتاب إلا قراءة لسان بلا فهم.. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود:
ناپیژندل شوی مخ