[البقرة: 68].. فطلبوا منه الهداية بعد أن تاهوا وضاعوا بسبب عنادهم وجدلهم.. وجاء الجواب من الله سبحانه وتعالى.
[2.71]
{ بقرة لا ذلول } [البقرة: 71].. البقرة الذلول هي البقرة المروضة الممرنة تؤدي مهمتها بلا تعب.. تماما مثل الخيل المروضة التي لا تتعب راكبها لأنها تم ترويضها.. وسيدنا إسماعيل هو أول من روض الخيل وساسها.. وقال الله سبحانه وتعالى لهم أول وصف للبقرة أنها ليست مروضة.. لا أحد قادها ولا قامت بعمل.. إنها انطلقت على طبيعتها وعلى سجيتها في الحقول بدون قائد.. { تثير الأرض } [البقرة: 71] أي لم تستخدم في حراثة الأرض أو فلاحتها.. { ولا تسقي الحرث } [البقرة: 71].. أي لم تستخدم في إدارة السواقي لسقية الزرع.. { مسلمة لا شية فيها } [البقرة: 71] أي خالية من العيوب لا أذنها مثقوبة. ولا فيها أي علامة من العلامات التي يميز الناس أبقارهم بها.. ولا رجلها عرجاء، خالية من البقع والألوان غير اللون الأصفر الفاقع.. وكلمة { لا شية فيها } [البقرة: 71].. أي لا شيء فيها. والمتأمل في وصف البقرة كما جاء في الآيات يرى الصعوبة والتشديد في اختيار أوصافها.. كأن الحق تبارك وتعالى يريد أن يجازيهم على أعمالهم.. ولم يجد بنو إسرائيل إلا بقرة واحدة تنطبق عليها هذه المواصفات فقالوا { الآن جئت بالحق } [البقرة: 71] كأن ما قاله موسى قبل ذلك كان خارجا عن نطاق الحق. وذبحوا البقرة ولكن عن كره منهم.. لأنهم كانوا حريصين على ألا يذبحوها، حرصهم على عدم تنفيذ المنهج. هم يريدون أن يماطلوا الله سبحانه وتعالى.. والله يقول لنا أن سمة المؤمنين أن يسارعوا إلى تنفيذ تكاليفه.. واقرأ قوله تعالى:
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين
[آل عمران: 133]. وهذه السرعة من المؤمنين في تنفيذ التكاليف.. دليل على عشق التكليف.. لأنك تسارع لتفعل ما يطلبه منك من تحبه.. وقوله تعالى: { وما كادوا يفعلون } [البقرة: 71].. يدلنا على أنهم حاولوا الإبطاء في التنفيذ والتلكؤ. إننا لابد أن نلتفت إلى أن تباطؤ بني إسرائيل في التنفيذ خدم قضية إيمانية أخرى.. فالبقرة التي طلبها الله منهم بسبب عدم قيامهم بتنفيذ الأمر فور صدوره لهم بقرة نادرة لا تتكرر.. والمواصفات التي أعطيت لهم في النهاية.. لم تكن تنطبق إلا على بقرة واحدة ليتحكم صاحبها في ثمنها ويبيعها بأغلى الأسعار.. والقصة أنه كان هناك في بني إسرائيل رجل صالح.. يتحرى الحلال في الرزق والصدق في القول والإيمان الحقيقي بالله. وعندما حضرته الوفاة كان عنده عجلة وكان له زوجة وابنهما الصغير.. ماذا يفعل وهو لا يملك سوى العجلة.
اتجه إلى الله وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لولدي، ثم أطلقها في المراعي.. لم يوص عليها أحدا ولكن استودعها الله. استودعها يد الله الأمينة على كل شيء.. ثم قال لامرأته إني لا أملك إلا هذه العجلة ولا آمن عليها إلا الله.. ولقد أطلقتها في المراعي.. وعندما كبر الولد قالت له أمه: إن أباك قد ترك لك وديعة عند الله وهي عجلة.. فقال يا أمي وأين أجدها؟.. قالت كن كأبيك هو توكل واستودع، وأنت توكل واسترد.. فقال الولد: اللهم رب إبراهيم ورب موسى.. رد إلي ما استودعه أبي عندك.. فإذا بالعجلة تأتي إليه وقد أصبحت بقرة فأخذها ليريها لأمه.. وبينما هو سائر رآه بنو إسرائيل. فقالوا إن هذه البقرة هي التي طلبها الرب.. وذهبوا إلى صاحب البقرة وطلبوا شراءها فقال بكم.. قالوا بثلاثة دنانير.. فذهب ليستشير أمه فخافوا أن ترفض وعرضوا عليه ستة دنانير.. قالت أمه لا.. لا تباع.. فقال الابن لن أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا، فدفعوا له ما أراد.. وهكذا نجد صلاح الأب يجعل الله حفيظا على أولاده يرعاهم وييسر لهم أمورهم.
[2.72]
قصة القتيل هي أن رجلا ثريا من بني إسرائيل لم يكن له ولد يرثه.. وكان له أقارب كل منهم يريد أن يستأثر بأموال هذا الرجل.. والمال والذهب هما حياة بني إسرائيل.. فتآمر على هذا الرجل الثري ابن أخيه فقتله ليرثه ويستولي على أمواله.. ولكنه أراد أن يبعد التهمة عن نفسه فحمل الجثة وألقاها على باب قرية مجاورة ليتهم أهلها بقتل الثري.. وفي الصباح قام أهل القرية ووجدوا جثة الثري أمام قريتهم.. ووجدوه غريبا عن القرية فسألوا من هو؟ حتى وصلوا إلى ابن أخيه.. فتجمع أهل القتيل واتهموهم بقتله.. وكان أشدهم تحمسا في الاتهام القاتل ابن أخيه.. وقوله تعالى { فادارأتم فيها } [البقرة: 72] الدرأ هو الشيء حين يجئ إليك وكل واحد ينفيه عن نفسه.. إدارأتم أي أن كلا منكم يريد أن يدفع الجريمة عن نفسه فكل واحد يقول لست أنا.. وليس من الضروري أن يتهم أحدا آخر غيره.. المهم أن يدفعها عن نفسه. ولقد حاول أهل القريتين.. قرية القتيل، والقرية التي وجدت أمامها الجثة. أن يدفع كل منهما شبهة الجريمة عن نفسه وربما يتهم بها الآخر.. ولم يكن هناك دليل دامغ يرجح اتهاما محددا. بل كانت الأدلة ضائعة ولذلك استحال توجيه اتهام لشخص دون آخر أو لقرية دون أخرى. وكان التشريع في ذلك الوقت ينص على أنه إذا وجد قتيل على باب قرية ولم يستدل على قاتله.. فإن قرية القتيل وأهله يأخذون خمسين رجلا من أعيان القرية التي وجدت بجوارها الجثة.. فيلقوا اليمين بأنهم ما قتلوه.. ولا علموا قاتله.. وإذا كان الأعيان والأكابر أقل من خمسين رجلا.. تكررت الأيمان حتى تصير خمسين يمينا.. فيحلفون أنهم ما قتلوه ولا يعرفون قاتله.. عندها يتحمل بيت المال دية القتيل.. ولكن الله كان يريد شيئا آخر.. يريد أن يرد بهذه الجريمة على جحود بني إسرائيل باليوم الآخر.. ويجعل الميت يقف أمامهم وينطق اسم قاتله.. ويجعلهم يرون البعث وهم أحياء.. ولذلك قال سبحانه وتعالى: { والله مخرج ما كنتم تكتمون } [البقرة: 72].. أي أن بني إسرائيل أو أولئك الذين ارتكبوا الجريمة دبروها على أن تبقى في طي الكتمان فلا يعلم أحد عنها شيئا.. ولذلك جاء الشاب وقتل عمه دون أن يراه أحد.. ثم حمل الجثة خفية في ظلام الليل وخرج بها فلم يلتفت أحد إليه.. ثم ذهب إلى قرية مجاورة وألقى بالجثة على باب القرية وأهلها نائمون وانصرف عائدا.. كانت كل هذه الخطوات في رأيه ستجعل الجريمة غامضة لا تنكشف أبدا ولا يعرف سرها أحد. ولكن الله تبارك وتعالى أراد غير ذلك.. أراد أن يكشف الجريمة بطريقة لا تحتمل الجدل، وفي نفس الوقت يرد على جحود بني إسرائيل للبعث.. بأن يريهم البعث وهم أحياء.
[2.73]
احتدم الخلاف بين بني إسرائيل وكادت تحدث فتنة كبيرة.. فقرروا أن يلجأوا إلى موسى عليه السلام ليطلب من الله تبارك وتعالى أن يكشف لهم لغز هذه الجريمة ويدلهم على القاتل.. وجاء الأمر من الله سبحانه وتعالى أن اذبحوا بقرة ولو ذبحوا بقرة أية بقرة لانتهت المشكلة.. ولكنهم ظلوا يقولون ما لونها وما شكلها إلى آخر ما رويناه.. حتى وصلوا إلى البقرة التي كان قد استودعها الرجل الصالح عند الله حتى يكبر ابنه فاشتروها وذبحوها.. فأمرهم الله أن يضربوه ببعضها. أي أن يضربوا القتيل بجزء من البقرة المذبوحة بعد أن سال دمها وماتت.. وانظر إلى العظمة في القصة.. جزء من ميت يضرب به ميت فيحيا.. إذن المسألة أعدها الحق بصورة لا تجعلهم يشكون أبدا.. فلو أن الله أحياه بدون أن يضرب بجزء من البقرة. لقالوا لم يكن قد مات، كانت فيه حياه ثم أفاق بعد إغماءة. ولكن الله أمرهم أن يذبحوا بقرة حتى تموت ليعطيهم درسا إيمانيا بقدرة الله وهم الماديون الذين لا يؤمنون إلا بالماديات.. وأن يأخذوا جزءا أو أجزاء منها وأن يضربوا به القتيل فيحيا وينطق باسم قاتله ويميته الله بعد ذلك.. يقول الحق جل جلاله.. { كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون } [البقرة: 73] ليرى بنو إسرائيل وهم على قيد الحياة كيف يحيى الله الموتى وليعرفوا أن الإنسان لا يبقى حيا بأسباب الحياة.. ولكن بإرادة مسبب الحياة في أن يقول " كن فيكون ".
ناپیژندل شوی مخ