فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر..
[الكهف: 29]. نقول إن الله جل جلاله لم يرغم أحدا على التكليف، ولكنه رحمة منه خيرهم بين التكليف وبين عذاب يصيبهم فيهلكهم.. وهذا العذاب هو أن يطبق عليهم جبل الطور.. إذن المسألة ليس فيها إجبار ولكن فيها تخيير.. وقد خير الذين من قبلهم بين الإيمان والهلاك فلم يصدقوا حتى أصابهم الهلاك.. ولكن حينما رأى بنو إسرائيل الجبل فوقهم خشعوا ساجدين على الأرض.. وسجودهم دليل على أنهم قبلوا المنهج.. ولكنهم كانوا وهم ساجدون ينظرون إلى الجبل فوقهم خشية أن يطبق عليهم.
. ولذلك تجد سجود اليهود حتى اليوم على جهة من الوجه.. بينما الجهة الأخرى تنظر إلى أعلى وكان ذلك خوفا من أن ينقض الجبل عليهم.. ولو سألت يهوديا لماذا تسجد بهذه الطريقة يقول لك: أحمل التوراة ويهتز منتفضا.. نقول إنهم اهتزوا ساعة أن رفع الله جبل الطور فوقهم.. فكانوا في كل صلاة يأخذون الوضع نفسه، والذين شهدوهم من أولادهم وذريتهم.. اعتقدوا أنها شرط من شروط السجود عندهم.. ولذلك أصبح سجودهم على جانب من الوجه.. ونظرهم إلى شيء أعلاهم يخافون منه.. أي أن الصورة التي حدثت لهم ساعة رفع جبل الطور لا زالوا باقين عليها حتى الآن. في هذه الآية الكريمة يقول الحق تبارك وتعالى: { ورفعنا فوقكم الطور } [البقرة: 63] وفي آية أخرى يقول المولى جل جلاله في نفس ما حدث:
وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا مآ ءاتينكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون
[الأعراف: 171]. " نتقنا " كأن الجبل وتد في الأرض ونريد أن نخلعه .. فنحركه يمينا ويسارا حتى يمكن أن يخرج من الأرض.. هذه الحركة والزحزحة والجذب هي النتق.. والجبل كالوتد تماما يحتاج إلى هز وزعزعة وجذب حتى يخرج من مكانه.. وهذه الصورة عندما حدثت خشعوا وسجدوا وتقبلوا المنهج. يقول الحق سبحانه وتعالى: { خذوا مآ ءاتينكم بقوة } [البقرة: 63].. الأخذ عادة مقابل للعطاء.. أنت تأخذ من معط.. والتكليف أخذ من الله حتى تعطي به حركة صلاح في الكون.. إذن كل أخذ لابد أن يأتي منه عطاء فأنت تأخذ من الجيل الذي سبقك وتعطي للجيل الذي يليك.. ولكنك لا تعطيه كما هو، ولكن لابد أن تضيف عليه. وهذه الإضافة هي التي تصنع الحضارات. وقوله تعالى: { بقوة } [البقرة: 63].. أي لا تأخذوا التكليف بتخاذل.. والإنسان عادة يأخذ بقوة ما هو نافع له.. ولذلك فطبيعة مناهج الله أن تؤخذ بقوة وبيقين.. لتعطي خيرا كثيرا بقوة وبيقين.. وإذا أخذت منهج الله بقوة فقد ائتمنت عليه وأن صدرك قد انشرح وتريد أن تأخذ أكثر.. لذلك تجد في القرآن الكريم يسألونك عن كذا.. دليل على أنهم عشقوا التكليف وعلموا أنه نافع فهم يريدون زيادة النفع. وما دام الحق سبحانه وتعالى قال: { خذوا مآ ءاتينكم بقوة } [البقرة: 63].. فقد عشقوا التكليف ولم يعد شاقا على أنفسهم. وقوله تعالى: { واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } [البقرة: 63].. اذكروا ما فيه أي ما في المنهج وأنه يعالج كل قضايا الحياة واعرفوا حكم هذه القضايا.. { لعلكم تتقون } [البقرة: 63] أي تطيعون الله وتتقون عقابه وعذابه يوم القيامة.
[2.64]
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى لنا كيف أمر اليهود بأن يتذكروا المنهج ولا ينسوه.. وكان مجرد تذكرهم للمنهج يجعلهم يؤمنون بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مكتوب عندهم في التوراة ومذكورة أوصافه.. ماذا فعل اليهود؟ يقول الحق تبارك وتعالى: { ثم توليتم من بعد ذلك } [البقرة: 64].. أي أعرضتم عن منهج الله ونسيتموه ولم تلتفتوا إليه.. { فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين } [البقرة: 64] ما هو الفضل وما هي الرحمة؟ الفضل هو الزيادة عما تستحق.. يقال لك هذا حقك وهذا فضل مني أي زيادة على حقك. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة "
فإذا تساءلت كيف يتم هذا؟ وكيف أنه لا أحد يدخل الجنة بعمله؟ نقول نعم لأن عمل الدنيا كله لا يساوي نعمة من نعم الله على خلقه فأنت تذكرت العمل ولم تتذكر الفضل.. وكل من يدخل الجنة فبفضل الله سبحانه وتعالى.. حتى الشهداء الذين أعطوا حياتهم وهي كل ما يملكون في هذه الدنيا.. يقول الحق سبحانه وتعالى عنهم:
فرحين بمآ آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون
ناپیژندل شوی مخ