أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي..
[الزخرف: 51]. وقوله سبحانه:
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه..
[يوسف: 21]. وقوله تبارك وتعالى:
ادخلوا مصر إن شآء الله آمنين
[يوسف: 99]. كلمة مصر ذكرت في الآيات الأربع السابقة بغير تنوين.. ولكن في الآية التي نحن بصددها: { اهبطوا مصرا } بالتنوين.. هل مصر هذه هي مصر الواردة في الآيات المشار إليها؟.. نقول لا.. لأن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.. إذا كان لبقعة أو مكان.. مرة تلحظ أنه بقعة فيبقى مؤنثا، ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكرا.. فإن كان بقعة فهو علم ممنوع من الصرف، وإن كان مكانا تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث.. ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن الله صرفها في القرآن الكريم.. كلمات: نوح ولوط وشعيب ومحمد وهود. كل هذه الأسماء كان مفروضا أن تمنع من الصرف ولكنها صرفت.. فقيل في القرآن الكريم نوحا ولوط وشعيبا ومحمدا وهودا.. إذن فهل من الممكن أن تكون مصر التي جاءت في قوله تعالى: { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } [البقرة: 61] هي مصر التي عاشوا فيها وسط حكم فرعون.. قوله تعالى: { اهبطوا مصرا } [البقرة: 61] من الممكن أن يكون المعنى أي مصر من الأمصار.. ومن الممكن أن تكون مصر التي عاش فيها فرعون.. وكلمة مصر تطلق على كل مكان له مفت وأمير وقاض.. وهي مأخوذة من الاقتطاع.. لأنه مكان يقطع امتداد الأرض الخلاء.. ولكن الثابت في القرآن الكريم.. أن مصر التي لم تنون هي علم على مصر التي نعيش فيها.. أما مصرا التي خضعت للتنوين فهي تعني كل واد فيه زرع. وقوله تعالى: { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } [البقرة: 61].. الذلة هي المشقة التي تؤدي إلى الانكسار، ويمكن أن ترفع عنك بأن تكون في حمى غيرك فيعزك بأن يقول إنك في حماه.. والله سبحانه وتعالى يقول عن بني إسرائيل:
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس..
[آل عمران: 112]. حبل من الله كما حدث عندما عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وعاشوا في حمى العهد.
. إذن بحبل من الله أي على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين به.. وبحبل من الناس أي في حماية دولة قوية كالولايات المتحدة الأمريكية.. إذا عاهدتهم عزوا وإن تركتهم ذلوا. وقوله تعالى: { وضربت عليهم الذلة } [البقرة: 61] ضربت أي طبعت طبعة قوية بضربة قوية تجعل الكتابة بارزة على النقود، ولذلك يقال ضربت في مصر.. أي أعدت بضربة قوية أذلتهم وبقيت بارزة لا يستطيعون محوها.. أما المسكنة فهي انكسار في الهيئة. أهل الكتاب كانوا يدفعون الجزية والجزية كانت تؤخذ من الأغنياء.. وكانوا يلبسون الملابس القذرة، ويقفون في موقف الذل والخزي حتى لا يدفعوا الجزية. وقوله تعالى: { وبآءو بغضب من الله } [البقرة: 61].. أي غضب الله عليهم بذنوبهم وعصيانهم، حتى أصبح الغضب - من كثرة عصيانهم - كأنه سمة من سماتهم لماذا؟: { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق } [البقرة: 61] أي أنهم كانوا يكفرون بالنعم ولا يشكرون.. ويكفرون بالآيات ويشترون بها ثمنا قليلا، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يقتلون أنبياء الله بغير حق. الأنبياء غير الرسل.. والأنبياء أسوة سلوكية ولكنهم لا يأتون بمنهج جديد.. أما الرسل فهم أنبياء بأنهم أسوة سلوكية ورسل لأنهم جاءوا بمنهج جديد، ولذلك كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا. والله سبحانه وتعالى يعصم أنبياءه ورسله من الخطيئة، ولكنه يعصم رسله من القتل فلا يقدر عليهم أعداؤهم.. فمجيء الأنبياء ضرورة.. لأنهم نماذج سلوكية تسهل على الناس التزامهم بالمنهج، وبنو إسرائيل بعث الله لهم أنبياء ليقتدوا بهم فقتلوهم.. لماذا؟.. لأنهم فضحوا كذبهم وفسقهم وعدم التزامهم بالمنهج، ولذلك تجد الكافر والعاصي وغير الملتزم يغار ويكره الملتزم بمنهج الله.. ويحاول إزالته عن طريقه ولو بالقتل.. إذن فغضب الله عليهم من عصيانهم واعتدائهم على الأنبياء وما ارتكبوه من آثام.
[2.62]
ناپیژندل شوی مخ