111

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

ژانرونه

وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

[البقرة: 57]. وظلم الناس يعود على أنفسهم.. لأنه لا أحد من خلق الله يستطيع أن يظلم الله سبحانه وتعالى.. وقوله سبحانه { فتوبوا إلى بارئكم } [البقرة: 54].. الحق تبارك وتعالى قال في الآية السابقة

عفونا عنكم

[البقرة: 52] ثم يقول في هذه الآية { فتوبوا إلى بارئكم } [البقرة: 54].. لأن التوبة هي أصل المغفرة. أنت تتوب عن فعلك للذنب وتعتزم ألا تعود لمثله أبدا ويقبل الله توبتك ويعفو عنك. وقد كان من الممكن أن يأخذهم الله بهذا الذنب ويهلكهم كما حدث بالنسبة للأمم السابقة.

. أما وقد شرع الله لهم أن يتوبوا. فهذا فضل من الله وعفو.. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: { فاقتلوا أنفسكم } [البقرة: 54].. فانظروا إلى دقة التكليف ودقة الحيثية في قوله تعالى: { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } [البقرة: 54] الله سبحانه وتعالى يقول لهم: أنا لم أغلب عليكم خالقا خلقكم أو آخذكم منه.. ولكن أنا الذي خلقتكم. ولكن الخالق شيء والبارئ شيء آخر.. خلق أي أوجد الشيء من عدم.. والبارئ أي سواه على هيئة مستقيمة وعلى أحسن تقويم.. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى

[الأعلى: 2-3]. ومن هنا نعرف أن الخلق شيء والتسوية شيء آخر.. بارئكم مأخوذة من برئ السهم، وبرئ السهم يحتاج إلى دقة وبراعة. وقوله تعالى: { فاقتلوا أنفسكم } [البقرة: 54] لأن الذي خلقك وسواك كفرت به وعبدت سواه. فكأنك في هذه الحالة لابد أن تعيد له الحياة التي وهبها لك.. وعندما نزل حكم الله تبارك وتعالى.. جعل موسى بني إسرائيل يقفون صفوفا. وقال لهم إن الذي لم يعبد العجل يقتل من عبده، ولكنهم حين وقفوا للتنفيذ. كان الواحد منهم يجد ابن عمه وأخاه وذوي رحمه أمامه فيشق عليه التنفيذ.. فرحمهم الله بأن بعث ضبابا يسترهم حتى لا يجدوا مشقة في تنفيذ القتل.. وقيل إنهم قتلوا من أنفسهم سبعين ألفا. وعندما حدث ذلك استصرخ موسى وهارون ربهم.. وقالا البكية البكية. أي أبكوا عسى أن يعفو الله عنهم، ووقفوا يبكون أمام حائط المبكى فرحمهم الله. وقوله تعالى: { فاقتلوا أنفسكم } [البقرة: 54] لأن هذه الأنفس بشهوتها وعصيانها.. هي التي جعلتهم يتمردون على المنهج. إن التشريع هنا بالقتل هو كفارة الذنب، لأن الذي عبد العجل واتخذ إلها آخر غير الله. كونه يقدم نفسه ليقتل فهذا اعتراف منه بأن العجل الذي كان يعبده باطل.. وهو بذلك يعيد نفسه التي تمردت على منهج الله إلى العبادة الصحيحة، وهذا أقسى أنواع الكفارة.. وهو أن يقتل نفسه إثباتا لإيمانه.. بأنه لا إله إلا الله وندما على ما فعل وإعلانا لذلك.. فكأن القتل هنا شهادة صادقة للعودة إلى الإيمان. وقوله تعالى { ذلكم خير لكم عند بارئكم } [البقرة: 54].. أي أن هذه التوبة هي أصدق أنواع التوبة، وهي خير لأنها تنجيكم من عذاب الآخرة.. وقوله سبحانه: { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } [البقرة: 54]. التوبة الأولى أنه شرع لكم الكفارة، والتوبة الثانية عندما تقبل منكم توبتكم.. وعفا عنكم عفوا أبديا.

[2.55]

بعد أن تاب الله على قوم موسى بعد عبادتهم للعجل.. عادوا مرة أخرى إلى عنادهم وماديتهم. فهم كانوا يريدون إلها ماديا.. إلها يرونه ولكن الإله من عظمته أنه غيب لا تدركه الأبصار.. واقرأ قوله تعالى:

لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير

ناپیژندل شوی مخ