38

Tafsir Al-Quran Al-Karim - Al-Muqaddam

تفسير القرآن الكريم - المقدم

ژانرونه

الكذب من الأسباب الموجبة للعذاب
قوله: «بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» هذه الباء إما للسببية، أو للمقابلة، يعني: إما أن المعنى: «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» بسبب كذبهم، وهو قولهم: (آمنا بالله وباليوم الآخر) وهم غير مؤمنين.
أو «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» أي: في مقابلة كذبهم حين قالوا: (آمنا بالله وباليوم الآخر).
وفي هذه الآية تقبيح للكذب وتنفير منه.
قوله: «بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» إشارة إلى أن السبب في عذابهم واستحقاقهم هذا الوعيد هو أنهم كانوا يكذبون، ومعلوم أن الكذب أحد الأسباب الموجبة لتعذيبهم، أما الأسباب الأخرى فهي كثيرة ومعروفة كما سيتضح في هذه الآيات، لكن قد يعبر الله ﷾ عن إهلاك الكافرين أحيانًا ببعض الذنوب؛ تنفيرًا منها وتغليظًا في حق فاعليها واستعظامًا لها وتنفيرًا عن ارتكابها، كما قال ﵎ في شأن قوم نوح ﵇: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح:٢٥]، وقوم نوح كانوا كفرة، فإهلاكهم إنما كان بسبب كفرهم بجانب المعاصي، فتعظيمًا لشأن الخطايا التي تدنسوا بها جعل السبب في تعذيبهم هو الخطيئات؛ استعظامًا لها وتنفيرًا عنها فقال: (مما خطيئاتهم أغرقوا) وقال: هنا: (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون).
إذًا: معنى قوله: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» أي: شك ونفاق أمرض قلوبهم وجعل اليقين فيها ضعيفًا.
قوله: (فزادهم الله مرضًا) أي: بما أنزله من القرآن لكفرهم به؛ لأنه لا يجالس أحد القرآن إلا قام منه بزيادة أو نقصان، أما المؤمن فيزيد إيمانه، وأما الكافر فيزداد رجسًا إلى رجسه، كما يقول ﵎: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة:١٢٤] إلى آخر الآيات، كذلك يقول ﵎: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء:٨٢].
قوله: «بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» وفي قراءة أخرى: (بما كانوا يكذّبون) بالتشديد، أي: بما كانوا يكذبون نبي الله ﵊، وبالتخفيف بما كانوا يكذبون في قولهم: «آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ».

3 / 6