Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani
تفسير المنتصر الكتاني
ژانرونه
تفسير قوله تعالى: (قال فما بال القرون الأولى)
وإذا بفرعون المصر على الشرك وعلى الكفر أخذ يتساءل تساؤل الجاهلين قديمًا وحديثًا، وما أشبه اليوم بالأمس: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى﴾ [طه:٥١].
أي: ما هو حال القرون الأولى من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح، ما بالهم عاشوا كفرة منكرين للبعث وللقدرة وللنبوءات ومشركين مع الله غيره، ما بالهم لم يأتهم أنبياء ولم تأتهم رسل؟ وهذا الذي تساءل عنه فرعون من جهله ومن ضلاله، فكان جواب الله له فيما نطق به موسى وحيًا عن ربه: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ﴾ [طه:٥٢].
أي: علم القرون الأولى، وعلم العصور الهالكة السابقة، ﴿عِنْدَ رَبِّي﴾ [طه:٥٢]، فلم يرد موسى مجادلته، ولا الخروج عن القصد، بل جاء لدعوته للتوحيد، وإشعاره بأنه عبد وليس برب، وأن الرب واحد وهو الخالق القادر الرازق.
والمعنى: علم تلك القرون عند ربي في اللوح المحفوظ، وفي كتاب الأعمال، أكانوا حقًا مشركين أو موحدين؟ قوله: ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى﴾ [طه:٥٢] أي: لا يخطئ ربنا ﷻ، ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يغفل عن الشيء، فهو القادر المتصف بكل كمال، فليس الأمر كما زعم فرعون.
وقد أرسل الله لقوم نوح نوحًا، وبقي بينهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الإسلام، وآمن معه قوم وإن كانوا قلة، ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود:٤٠].
وأرسل للأمم الأخرى هودًا، وأرسل صالحًا، وأرسل لوطًا، فلم يغفلهم ولم ينسهم، ولم يضيع العناية بهم والسعي في هدايتهم، لا كما زعم الضال المضل الذي حاول أن يحاجج موسى وهو أحد الخمسة أولي العزم من الرسل.
ففرعون كانت حجته بعدما رأى الآيات البينات التي أتى بها موسى تقليد السابقين من مشركي قوم نوح، وكفرة قوم هود وقوم صالح.
وهكذا اليوم أيضًا تجد أقوامًا صفتهم كما قال النبي ﵊: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.
قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن)؟ وهكذا اليوم تجد من ضل من المسلمين ومن أشرك ممن كان مؤمنًا يومًا يقول: أفعل ما فعله المتحضرون المتقدمون، فهم يسعون ويجرون وراء كل ناعق من اليهود والنصارى وأضرابهم وأشباههم.
﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى﴾ [طه:٥١] يتساءل فرعون ويسأل موسى ﵇: فما حال القرون الأولى؟ كيف عاشوا مشركين ملحدين، زنادقة كافرين، لم لم ترسل إليهم رسل وأنبياء؟ فكان هذا الذي زعمه فرعون دالًا على جهله وإصراره في ضلاله، وإلا فالله ﷻ كما يقول له موسى: ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى﴾ [طه:٥٢].
36 / 3