178

Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani

تفسير المنتصر الكتاني

ژانرونه

تفسير قوله تعالى: (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدًا) قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ [مريم:٧٥]. يذكر تعالى هؤلاء الذين ما زادتهم الموعظة إلا كفرًا، وما زادتهم دعوة الأنبياء إلا فرارًا، وما زادهم حرص الأنبياء والعلماء على هدايتهم وصلاحهم إلا عنادًا وكفرًا. ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ﴾ [مريم:٧٥] قل يا محمد: إن هؤلاء الذين عاشوا في الضلالة والشرك والعصيان والخروج عن طاعة الله سيستدرجهم الله من حيث لا يعلمون، ويمد لهم الرحمن في الضلالة، بحيث يزيد أموالهم وجاههم وسلطانهم فيزدادون بها كفرًا وطغيانًا وصدًا عن الله، وما ذلك إلا استدراج لهم للعذاب الأليم، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم:٧٥] أي: يمد له من الحياة والصحة والشباب ومن الجاه والمال والسلطان. قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ [مريم:٧٥] أي: حتى إذا وقعوا فيما أوعدهم به أنبياؤهم وعلماؤهم، قال: ﴿إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ [مريم:٧٥] أي: إما عذاب الدنيا من نصر المؤمنين وأسر الكافرين واستعبادهم، وغنم أموالهم وتحقيرهم، وهو عذاب الدنيا على يد عباد الله الصالحين. وإما أن يمد الله لهم إلى أن يموتوا فيحشرون، وإذا بهم يعيشون في واقع القيامة، فيكون عذاب الله أشد وأنكى من عذاب المحشر وعذاب الويل في جهنم، وشرب القيح والصديد وما يخرج من فروج الزواني في النار والسعير، فيصرخون ويندمون ولات حين مندم. قال تعالى: ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ [مريم:٧٥]. وقد كانوا في الدنيا من قبل يتيهون بجمالهم وكثرة قصورهم وأموالهم، وكثرة جندهم وجاههم وسلطانهم، فعندما يكونون بين يدي العذاب الأليم فسيعلمون الحقيقة إذ ذاك، فقوله: ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا﴾ [مريم:٧٥] أي: من هو الأشر والأقبح ألمؤمنون أم الكافرون؟ قوله: ﴿وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ [مريم:٧٥] أي: ومن جنده أذل وأضعف سلطانًا وأقل شأنًا وأكثر هوانًا، فلا يكادون ينفعون مواليهم لا بنقير ولا بقطمير، بل يزدادون عليهم لعنة وشتيمةً وتحقيرًا.

30 / 3