183

د عقل سلیم لارښوونه

تفسير أبي السعود

خپرندوی

دار إحياء التراث العربي

د خپرونکي ځای

بيروت

ژانرونه

تفسیر
البقرة (١٦٥) كونها آيةً ولو رُوعيَ الترتيبُ الخارجيُّ لربما تُوهُم كونُ المجموعِ المترتبِ بعضُه على بعضٍ آيةً واحدة ﴿لاَيَاتٍ﴾ اسمُ إن دخلته اللام لتأخره عن خبرها والتنكيرُ للتفخيم كمًا وكيفًا أي آياتٍ عظيمةً كثيرةً دالة على القدرة والحِكمة الباهرةِ والرحمةِ الواسعة المقتضية لاختصاص الألوهية به سبحانه ﴿لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون العقول وفيه تعريضٌ بجهل المشركين الذين اقترحوا على النبيِّ ﷺ آيةً تصدِّقه في قوله تعالى وإلهكم إله واحد وتسجيلٌ عليهم بسخافة العقولِ وإلا فمن تأمل في تلك الآيات وجدَ كلًا منها ناطقةً بوجوده تعالى ووحدانيته وسائرِ صفاتِه الكماليةِ الموجبةِ لتخصيصِ العبادةِ بهِ تعالى واستُغني بها عن سائرها فإن كلَّ واحدٍ من الأمور المعدودةِ قد وجد على وجه خاصَ من الوجوه الممكنةِ دون ما عداه مستتبعًا لآثار معينةٍ وأحكامٍ مخصوصةٍ من غير أن تقتضي ذاتُه وجودَه فضلًا عن وجوده على نمطٍ معين مستتبعٍ لحكمٍ مستقل فإذن لا بدله حتمًا من موجدٍ قادر حكيمٍ يوجده حسبما تقتضيه حكمتُه وتستدعيه مشيئتُه متعالٍ عن معارضة الغير إذ لو كان معه آخرُ يقدِر على ما يقدرُ عليه لزمَ إما اجتماعُ المؤثِّرَيْن على أثر واحدٍ أو التمانعُ المؤدي إلى فساد العالم
﴿وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله﴾ بيانٌ لكمال ركاكةِ آراءِ المشركين إثرَ تقريرِ وحدانيتِه سبحانه وتحريرِ الآياتِ الباهرةِ المُلجئةِ للعقلاء إلى الاعتراف بها الفائضةِ باستحالة أن يشاركَه شئ من الموجودات في صفة من صفات الكمالِ فضلًا عن المشاركة في صفة الألوهية والكلامُ في إعرابه كما فُصِّل في قولِه تعالى وَمِنَ الناس مَن يقول آمنا بالله وباليوم الأخر الخ ومن دون الله متعلقٌ بيتخذ أي من الناس من يتخذ من دون ذلك الإله الواحدِ الذي ذكرت شئونه الجليلةُ وإيثارُ الاسمِ الجليل لتعيينه تعالى بالذات غِبَّ تعيينه بالصفات ﴿أَندَادًا﴾ أي أمثالًا وهم رؤساؤُهم الذين يتبعونهم فيما يأتُون وما يَذَرُون لاسيما في الأوامر والنواهي كما يفصح عنه ماسيأتى من وصفهم بالتبرِّي من المتّبعين وقيل هي الأصنام وإرجاعُ ضميرِ العقلاءِ إليها في قوله عز وعلا ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ مبنيٌّ على آرائهم الباطلة في شانها من وصفهم بمالا يوصف به إلا العقلاءُ والمحبةُ ميلُ القلب من الحب استُعير لحبَّة القلبِ ثم اشتُق منه الحبُ لأنه أصابها ورسخ فيها والفعل منها حبَّ على حدمد لكن الاستعمالَ المستفيضَ على أحب حبًا ومحبةً فهو مُحِب وذاك محبوبٌ ومُحَبّ قليل وحابّ أقلُ منه ومحبةُ العبد لله سبحانه إرادةُ طاعتِهِ في أوامرِهِ ونواهيهِ والاعتناءُ بتحصيل مراضيه فمعنى يُحبونهم يطيعونهم ويعظمونهم والجملةُ في حيز النصبِ إما صفةٌ لأندادًا أو حالا من فاعل يتخذ وجمعُ الضميرِ باعتبارِ مَعْنى من كما أن إفرادَه باعتبار لفظِها ﴿كَحُبّ الله﴾ مصدرٌ تشبيهيٌّ أي نعتٌ لمصدر مؤكدٍ للفعل السَّابقِ ومن قضية كونِه مبنيًا للفاعل كونُه أيضًا كذلك والظاهرُ اتحادُ فاعلِهما فإنهم كانوا يُقِرّون به تعالى أيضًا ويتقربون إليه فالمعنى يحبونهم حبًا كائنًا كحبهم لله تعالى أي يسوّون بينه تعالى وبينهم في الطاعة والتعظيم وقيل فاعلُ الحبِّ المذكور هم

1 / 185