البقرة (١٣٢ - ١٣١)
يحدُث في الآخرة والتأكيدُ بإن واللام لما أن الأمورَ الأخروية خفية عند المخاطبين فحاجتُها إلى التأكيد أشدُّ من الأمور التي تُشاهد آثارُها وكلمة في متعلقةٌ بالصالحين على أنَّ اللامَ للتعريفِ وليست بموصولة حتى يلزم تقديمُ بعض الصلة عليها على أنه قد يُغتفر في الظرف مالا يغتفر في غيره كما في قوله ... ربيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أُجلَدا ...
أو بمحذوف من لفظه أي وأنه لصالحٌ فِى الأخرة لَمِنَ الصالحين أو من غير لفظِه أي أعني في الآخرة نحو لك بعدَ رَعْيًا وقيل هي متعلقةٌ باصطفيناه على أن في النظم الكريم تقديمًا وتأخيرًا تقديرُه ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين
﴿إِذْ قَالَ لَهُ﴾ ظرفٌ لاصطفيناه لما أن المتوسِّط ليس بأجنبي بل هو مقرِّر له لأن اصطفاءه في الدنيا إنما هو للنبوة وما يتعلق بصلاح الآخرة أو تعليل له أو منصوب باذكُرْ كأنه قيل اذكر ذلك الوقتَ لتقف على أنه المصطفى الصالحُ المستحِقُّ للإمامة والتقدم وأنه ما نال إلا بالمبادرة إلى الإذعان والانقياد لما أُمر به وإخلاصِ سرِّه على أحسنِ ما يكون حين قال له
﴿رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ أي لربك
﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين﴾ وليس الأمرُ على حقيقته بل هو تمثيلٌ والمعنى أخطر بباله دلائلَ التوحيد المؤديةَ إلى المعرفة الداعيةَ إلى الإسلام من الكوكب والقمر والشمسِ وقيل أسلم أي أذعِنْ وأطع وقيل اثبُتْ على ما أنت عليه من الإسلام والإخلاصِ أو استقمْ وفوِّضْ أمورك إلى الله تعالى فالأمرُ على حقيقته والالتفاتُ مع التعرض لعنوان الربوبيةِ والإضافةِ إليه ﵇ لإظهارِ مزيدِ اللطفِ به والاعتناءِ بتربيته وإضافةُ الرب في جوابِه ﵊ إلى العالمين للإيذان بكمال قوةِ إسلامِه حيث أيقنَ حين النظر بشمولِ ربوبيتِه للعالمين قاطبةً لا لنفسِه وحده كما هو المأمور به
﴿ووصى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ﴾ شروعٌ في بيان تكميلِه ﵇ لغيره إثرَ بيانِ كماله في نفسه وفيه توكيدٌ لوجوب الرغبة في مِلته ﵇ والتوصيةُ التقدمُ إلى الغير بما فيه خيرٌ وصلاح للمسلمين من فعلٍ أو قولٍ وأصلُها الوَصْلة يقال وصّاه إذا وصَله وفصّاه إذا فَصَله كأن الموصِيَ يصِلُ فعلُه بفعل الوصيّ والضمير في بها للمِلّة أو قولِه أسلمتُ لرب العالمين بتأويل الكلمة كما عبر بها عن قوله تعالى ﴿إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذى فَطَرَنِى﴾ في قولِه ﷿ ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً باقية فِى عقبه﴾ وقرئ أوصى والأول أبلغُ
﴿وَيَعْقُوبَ﴾ عطفٌ على إبراهيمُ أي وصَّى بها هو أيضًا وقرئ بالنصب عطفًا على بنيه
﴿يا بَنِى﴾ على إضمار القولِ عند البصريين ومتعلق بوصَّى عند الكوفيين لأنه في معنى القول كما في قوله ... رَجْلانِ من ضَبَّةَ أخبرانا ... إنا رأَيْنا رَجُلًا عُريانا ...
فهو عند الأولين بتقدير القول وعند الآخرين متعلق بالإخبار الذي هو في معنى القول وقرئ أن يا بني وبنو إبراهيمَ ﵇ كانوا أربعةً إسماعيلُ وإسحاقُ ومدينُ ومدان وقيل ثمانيةٌ وقيل أربعةً وعشرين وكان بنو يعقوبَ اثني عشرَ روبين وشمعون ولاوي ويهوذا ويشسوخور وزبولون وزوانا وتفتونا
1 / 163