91

تفسیر صدر المتألهین

تفسير صدر المتألهين

ژانرونه

فمن ظهر بصورة الحضرة الجمعية بتمامها، وكانت ذاته مرآة كاملة، لا بد وأن يظهر فيها كل ما اشتملت الحضرة، وما اشتمل عليه الإمكان على الوجه الأتم الأشرف، فلا جرم وقع الأمر كما مر من سر قوله: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت. وما يجري مجرى ذلك.

ولولا سبق الرحمة الغضب، كان الأمر أشد، فكما ان حظهم من النعيم أشد، فكذا في الطرف الآخر، لكن في الدنيا، لأن هذه النشأة هي الظاهرة بأحكام حضرة الإمكان المقتضية للنقائص والآلام، ولذا قال: نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء في الدنيا.

ومن بعث رحمة للعالمين فدى بنفسه - في الأوقات الشديدة كالغزوات المقتضية عموم العقوبة لسلطنة الغضب - ضعفاء الخلق.

وكذا نبه على هذا السر (صلى الله عليه وآله) أهل الذوق، الأتم لما رأى جهنم وهو في صلاة الكسوف يتقي حرها عن وجهه وثوبه، ويتأخر عن مكانه، ويتضرع ويقول: ألم تعدني يا رب أنك لا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم ألم حتى حجبت عنه فأفهم واغتنم.

وأهل النار إنما يدخلونها بالجاذب والسائق والجاذب إلى النار المناسبة الواقعة بينها وبين أهلها. والسائق لهم هو الشيطان، كما أن الجاذب لأهل الجنة إلى الجنة المناسبة بينهما، والسائق لهم الملك، فالوعد والوعيد كلاهما شاملان لكل العبيد وفيه سر قوله (صلى الله عليه وآله):

" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات "

بل الجنة نفس المكاره عند من كره لقاء الله وكره الله لقائهم. والنار مبدأ الشهوات وصورتها الأخروية لمن يستحقها، وهي نعيمهم، كما أن الجنة نعيم أهلها، ويملأ الله جهنم بغضبه المشوب وقضائه، ويملأ الجنة برحمته المشوبة ورضاه، فيعم الوجود رحمة، ويبسط النعمة فيكون الخلق كما هم في الدنيا كل حزب بما لديهم فرحون، لأنهم أفعاله الصادرة منه.

وقد ورد في الخبر: إن الله جميل يحب الجمال، وهو صانع العالم وأوجده على شاكلته كما قال:

كل يعمل على شاكلته

[الإسراء:84] فربكم الغفور ذو الرحمة. فالعالم كله على غاية الجمال لأنه مرآة الحق. ولهذا هام فيه العارفون، وتحقق بمحبته المتحققون، لأنه المنظور إليه في كل عين، والمحبوب بكل محبة، والمعبود بكل عبادة، والمقصود في الغيب والشهود، وجميع العالم له مصل وحامد ومسبح.

ناپیژندل شوی مخ