تفسیر صدر المتألهین
تفسير صدر المتألهين
ژانرونه
اعلم إن نسبة اسم " هو " إلى اسم " الله " كنسبة الوجود إلى المهية في الممكن إلا ان الواجب تعالى لا مهية له سوى الإنية وقد مر ان مفهوم اسم الله مما له حد حقيقي إلا ان العقول قاصرة عن الإحاطة بجميع المعاني الداخلة في حده لأنه إنما عرفت صورة حده إذا عرفت صور حدود جميع الموجودات، وإذ ليس فليس وأما إسم " هو " فلا حد له ولا إشارة إليه، فيكون أجل مقاما وأعلى مرتبة، ولهذا يختص بمداومة هذا الذكر الشريف الكمل الواصلون.
والنكتة فيه؛ أن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته، لم يكن مستغرقا في معرفة الله، لأنه إذا قال " يا رحمن " فحينئذ يتذكر رحمته فيميل طبعه إلى طلبها، فيكون طالبا لحظه، وكذا إذا قال: يا كريم يا محسن يا غفار يا وهاب يا منتقم. وإذا قال: يا مالك، فحينئذ يتذكر ملكه وملكوته وما فيه من أقسام النعم ولطائف القسم، فيميل طبعه إليها ويطلب شيئا منها، وقس عليه سائر الأسماء.
وأما إذا قال " يا هو " وانه يعرف انه تعالى هوية صرفة لا يشوبه عموم ولا خصوص، ولا تكثر وتعدد، ولا تناه وحد، فهذا الذكر لا يدل على شيء ألبتة، إلا محض الإنية التامة التي لا يشوبه معنى يغايره، فحينئذ يحصل في قلبه نور ذكره، ولا يتكدر ذلك النور بالظلمة المتولدة عن ذكر غير الله، وهنالك النور التام والكشف الكامل.
نكتة اخرى
[الاسم " هو " ]
ان جميع صفات الله المعلومة عند الخلق، إما صفات الجلال، وإما صفات الإكرام. أما الأولى: فكقولنا: إنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا في مكان، وهذا فيه وقيعة، كمن خاطب السلطان بأنك لست أعمى ولا أصم ولا كذا وكذا وصار يعد أنواع المعائب والنقائص، فإنه ينسب إلى إساءة الأدب، ويستوجب الزجر والتأديب.
وأما صفات الإكرام: فككونه خالقا للخلائق، رازقا للعباد، وهذا ايضا فيه وقيعة من وجهين.
الأول: إن كمال الصانع أجل وأعلى من أن يوصف بصنعه، وخصوصا الفياض الذي ليس فعله إلا على سبيل الرشح والفيض.
والثاني: إن الرجل إذا أخذ يمدح سلطانا قاهرا يملك وجه الأرض برا وبحرا بأنه أعطى الفقير الفلاني كسرة خبز وقطرة ماء، فإنه يستوجب المقت والزجر والحجر، ومعلوم ان نسبة جميع المخلوقات - من الفرش إلى العرش - إلى ما في خزائن الله - لكونها نسبة متناه إلى غير متناه - أقل من نسبة كسرة الخبز وقطرة الماء إلى جميع خزائن الدنيا، فإذا كان ذلك سوء أدب، فهذا بالطريق الأولى، إلا ان هنا سببا يرخص في ذكر هذه المدائح، وهو ان النفس صارت مستغرقة في عالم الحس والخيال، وإذا اريد جذبها إلى عتبة عالم القدس، احتيج إلى أن يتنبه على كمال الحضرة المقدسة، ولا سبيل إلى معرفة كمال الله وجلاله إلا بهذين الطريقين، أعني ذكر صفات الجلال وصفات الإكرام.
ثم إذا واظب الإنسان على هذين النوعين من الأذكار حتى يعرض عن عالم الحس، ويستأنس الوقوف على عتبة القدس، فبعد ذلك تنبه لما في هذين النوعين من الاعتراضات المذكورة والحجب الظلمانية، فعند ذلك يترك الأذكار ويقول: يا هو، يا من لا هو إلا هو.
ناپیژندل شوی مخ