{ اصطفاك } أولا حين تقبلك من أمك وربك { وطهرك } مما قذفك به اليهود { واصطفاك } آخرا { على نساء العالمين } بأن وهب لك عيسى من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من نساء العالمين، قوله تعالى: { يا مريم اقنتي لربك واسجدي } أمرت بذلك لكونها من هيئة الصلاة وأركانها، ثم قيل لها: { واركعي مع الراكعين } يعني ولتكن صلاتك مع المصلين في الجماعات ويحتمل أن يكون في زمانها من لا يركع فأمرت بالركوع مع الراكعين، ذلك إشارة إلى ما سبق من نبأ زكريا ويحيى ومريم وعيسى { أقلامهم } أي أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين، وقيل: هي الأقلام التي كتبوا بها التوراة اختاروها للقرعة تبركا بها، قوله تعالى: { يختصمون } في شأنها تنافسا في التكفيل بها.
[3.44-51]
{ وجيها في الدنيا والآخرة } في الدنيا بالنبوة، وفي الآخرة بالشفاعة وعلو الدرجات في الجنة، قوله تعالى: { ومن المقربين } رفعه الله إلى السماء وصحبته الملائكة { ويكلم الناس في المهد } ما يمهد للصبي في مضجعه { وكهلا } المعنى ويكلم الناس في هاتين الحالين كلام الأنبياء من غير تفاوت في حال الطفولية وحال الكهولية { ويعلمه الكتاب } قيل: الخط { والحكمة } سنن الأنبياء (عليهم السلام)، وقيل: قسم الله الخط عشرة أجزاء جعل للمخلوقين جزءا ولعيسى (عليه السلام) تسعة أجزاء ولما رفع عيسى (عليه السلام) بكت عليه مريم بكاءا عظيما فهبط بعد سبعة أيام وأخبرها بحاله وعاشت أمه بعد رفعه ثلاث سنين، وقيل: ستا وحملت به ولها ثلاث عشرة سنة ورفع (عليه السلام) وله ثلاث وثلاثون سنة { ورسولا } أي جعله رسولا إلى بني إسرائيل وكان أول أنبياء بني إسرائيل موسى (عليه السلام) وآخرهم عيسى (عليه السلام) { إني قد جئتكم } أي قال لهم لما بعث: إني قد جئتكم { بآية } أي بحجة وعلامة ودلالة على نبوتي { كهيئة الطير } أي كصورة الطير { فانفخ فيه } قيل: في المهيا، وقيل: في الطين، قيل: أخذ طينا فجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فطار { فيكون } طائرا حيا يطير، وروي أنه (عليه السلام) نفخ فيه فطار والناس ينظرون حتى غاب عن أعينهم ثم سقط ميتا بإذن الله تعالى وإنما أحياه عند نفخ عيسى معجزة له { وأبرئ الأكمه } هو الذي يولد أعمى، وقيل: هو الممسوح العين، وروي أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى (عليه السلام) وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده { وأحيى الموتى } روي أنه أحيى سام بن نوح وهم ينظرون فقالوا: هذا سحر فأرنا آية، فقال: يا فلان أكلت كذا، ويا فلان خبئ لك كذا { وما تدخرون } يعني ما معكم في بيوتكم { إن في ذلك لآية } لحجة عظيمة { إن كنتم مؤمنين } مصدقين بما جئت به { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } في شريعة موسى الشحوم ولحم الابل وكل ذي ظفر { وجئتكم بآية من ربكم } شاهدة على رسالتي، وهي قوله: { إن الله ربي وربكم } لأن جميع الرسل (عليهم السلام) كانوا على هذا القول وآية أخرى من خلق الطين وإبراء الأكمة وإحياء الموتى.
[3.52-58]
{ قال الحواريون نحن أنصار الله } يعني أنصار دينه، قيل: سموا حواريين لنقاء قلوبهم وإخلاص سرائرهم في طاعة الله تعالى أعلم أن الحواريين كانوا أصفياء عيسى وأولياءه وأنصاره ووزراءه، وكانوا إثني عشر رجلا، واختلف العلماء فيهم ومن هم ولم سموا بهذه الأسماء فقال ابن عباس: كانوا صيادين يصيدون السمك فمر بهم عيسى، فقال: " من أنصاري إلى الله؟ " فقالوا: من أنت؟ قال: " أنا عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله " قالوا: فهل يكون أحد من الأنبياء فوقك؟ قال: " نعم النبي العربي فاتبعوه وآمنوا به وانطلقوا معه " وقيل: كانوا ملاحين، وقيل: كانوا قصارين يجورون الثياب أي يبيضونها، وقيل: كان الحواريون اثني عشر رجلا تبعوا عيسى ابن مريم، وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا فيضرب بيده إلى الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكل واحد منهم رغيفين فيأكلهما، وإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا فيضرب بيده إلى الأرض فيخرج لهم ما يشربون، وقيل: الحواريون هم الأنصار، وروي أنهم قالوا: يا روح الله من افضل منا؟ قال: " الذي يعمل بيده ويأكل من كسبه " فصاروا يغسلون الثياب بالكرى ويأكلون، وقيل: صنع ملك من الملوك طعاما فدعا الناس إليه وكان عيسى (عليه السلام) على قصعة وكانت القصعة لم تنقص، فقال الملك: من أنت؟ قال: " أنا عيسى ابن مريم " فقال: إني أترك ملكي وأتبعك، فانطلق بمن اتبعه منهم فهم الحواريون { فاكتبنا مع الشاهدين } قيل: مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم، ومع الذين يشهدون بالوحدانية، وقيل: مع أمة محمد لأنهما شهداء على الناس { ومكروا } يعني بني إسرائيل الذي أحس منهم بالكفر، ومكرهم أنهم وكلوا به من يقتله غيلة { ومكر الله } أي رفع عيسى إلى السماء، وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل { والله خير الماكرين } أي أقواهم وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب { إني متوفيك } أي مستوفي أجلك، ومعناه عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخرك إلى أجل أكتبه لك، قوله تعالى: { ورافعك إلي } أي إلى سمائي ومقر ملائكتي { ومطهرك من الذين كفروا } من سوء جوارهم وخبث صحبتهم، وقيل: متوفيك قابضك من الأرض، وقيل: متوفي نفسك بالنوم من قوله تعالى:
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها
[الزمر: 42] ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } يعلونهم بالحجة والسيف ومتبعوه هم المسلمون، لأنهم متبعوه في الإسلام وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوا من اليهود والنصارى { ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم } تفسير قوله تعالى: { فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين } قوله تعالى: { وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم } ، { ذلك } إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى (عليه السلام) وغيره { من الآيات } الخبر { والذكر الحكيم } القرآن، لأنه ينطق بالحكمة، وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم: لم تعبدون عيسى (عليه السلام)؟، قالوا: لأنه لا أب له، قال: فآدم أولى لأنه لا أبوين له، قالوا: كان يحيي الموتى، قال: فحزقيل أولى، لأن عيسى (عليه السلام) أحيى أربعة نفر وحزقيل (عليه السلام) أحيى ثمانية آلاف، قالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص، قال: فجرحيش أولى، لأنه طبخ وأحرق، ثم قام سليما.
[3.59-64]
قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } الآية نزلت في وفد نجران، والعاقب وأصحابه قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل رأيت ولدا من غير أب؟ فنزلت، عن ابن عباس: فلما دعاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المباهلة أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة (عليهم السلام) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا أنا دعوت فآمنوا " ثم دعا النصارى إلى المباهلة فأحجموا عنها، وأقروا بالذلة، وقبلوا الجزية، وروي أنهم استشاروا العاقب وكان ذا رأيهم، فقال: إنه نبي مرسل وما لاعن قوم شيئا قط فعاش كبيرهم ولا ثبت صغيرهم فوادعوه وانصرفوا، وروي أن أسعف نجران قال لهم: إني لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة وسألوا الصلح، فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل سنة ألفي حلة، ألف في رجب وألف في صفر، وثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين رمحا، فدفعوها إلى واليه، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " والذي نفسي بيده لو باهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليه الوادي نارا وما حال الحول على النصارى حتى هلكوا { إن هذا لهو القصص الحق } أي هذا الذي قص عليك من نبأ عيسى لهو القصص الحق، قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } لا يختلف فيها التوراة والانجيل والقرآن وتفسير الكلمة قوله تعالى: { ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله } يعني تعالوا إليها حتى لا تقولوا عزير ابن الله، وقيل: اجتمعت أحبار اليهود ونصارى نجران عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتنازعوا في إبراهيم، فقال اليهود: ما كان إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا، فنزلت الآية،
" وروي أنهم لما اختلفوا سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك، فقال: " بل كان بريئا من الفريقين وكان حنيفا مسلما وأنا على دينه " فقالت اليهود: والله يا محمد والله ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت النصارى في عيسى "
ناپیژندل شوی مخ