{ إذا السماء انفطرت } انشقت لنزول الملائكة { وإذا الكواكب انتثرت } تساقطت { وإذا البحار فجرت } فجر بعضها في بعض عذبها في مالحها ومالحها في عذبها فصارت بحرا واحدا، وقيل: ذهب ماؤها، وقيل: ملئت { وإذا القبور بعثرت } كشفت عما فيها وأخرجوا منها { علمت } جواب إذا، وقوله: { نفس ما قدمت وأخرت } قيل: ما قدمت من عمل وأخرت من سيئة لسها يعمل بها، وقيل: ما قدمت من طاعة أو تركت، وقيل: ما قدمت من فريضة وأخرت أو ما قدمت من الأعمال وما أخرت من المظالم يجدوا ذلك مكتوبا في الصحائف { يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } ما الذي جرأك عليه بغروره حتى عصيته، وقيل: ما الذي خدعك، أو ما الذي أداك إلى الاغترار بالله حتى آثرت شهوات الدنيا وعصيت وتبعت الشياطين الإنس والجن، وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلا هذه الآية فقال:
" غره والله جهله، غره عدوه الشيطان "
، ومنها علماء السوء يزينون له المعاصي بأن الله قدره عليه، أو يغفر له، أو أن النبي يشفع له، وأن مع الإسلام لا يضر معصية وتقليد الرؤساء والنظر إلى أهل الدنيا { الذي خلقك فسواك } أي كيف تركت طاعته وهو المنعم عليكم بأن خلقك حيا وسوى جميع أعضائك { فعدلك } بالتشديد وبالتخفيف عدل بك عن صورة البهائم وغيرها إلى أحسن الصور، وقيل: من شبه أم أو أب أو خال أو عم، وقيل: من ذكر أو أنثى يعني قدر على خلقك كيف شاء { ركبك } في الجنس والطول والقصر ذكر أو أنثى.
[82.9-19]
{ كلا } قيل: لا تظنون ذلك، وقيل: حقا إنكم غررتم أنفسكم وتركتم أمر خالقكم لأنكم { تكذبون بالدين } الجزاء والحساب { وإن عليكم لحافظين } حفظاء رقباء يحفظون أعمالهم وهم الملائكة على الله { كاتبين } في الدنيا والآخرة أما في الدنيا ففي رضى الله والقناعة وفي الآخرة في الجنة { وإن الفجار } العصاة المرتكبين الكبائر { لفي جحيم } في النار، والفجور اسم العصيان، يقال للزاني: فاجر { يصلونها } أي يحملونها للتعذيب { يوم الدين } يوم الجزاء { وما هم عنها بغائبين } بموت ولا خروج { وما أدراك ما يوم الدين } { ثم ما أدراك ما يوم الدين } كرر تأكيدا وتفخيما لشأنه، وقيل: ما أدراك ما في يوم الدين من النعم لأهل الجنة وما أدراك ما في يوم الدين من العذاب لأهل النار وليس فيه تكرار { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا } أي لا يملك أحد لغيره نفعا ولا ضرا { والأمر يومئذ لله } لا ينفذ لأحد أمر غيره.
[83 - سورة المطففين]
[83.1-17]
{ ويل للمطففين } التطفيف البخس في الكيل والوزن، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم المدينة وكانوا من أخبث الناس كيلا فنزلت فأحسنوا الكيل، وروي أنه قدمها وفيها رجل يعرف بابن جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، وقيل: كان أهل المدينة تجار يطففون، وقوله: { ويل } كلمة وعيد، وقيل: شدة العذاب، وقيل: جب في جهنم للمطففين الذين يبخسون الناس حقوقهم في الكيل والوزن { الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون } أي ما على الناس ليأخذوه لأنفسهم، يستوفون يكتالون تاما ويأخذون تاما { وإذا كالوهم } أي كالوا لهم ليوفر عليهم حقهم { أو وزنوهم يخسرون } ينقصون { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون } ومحاسبون على مقدار الذرة والخردلة { ليوم عظيم } يوم القيامة { يوم يقوم الناس لرب العالمين } أي لحكمه بينهم { كلا } قيل: لا تفعلوا ذلك، وقيل: حقا { إن كتاب الفجار لفي سجين } قيل: في الأرض السابعة السفلى، وقيل: جب في جهنم، وقيل: هي الصخرة التي عليها الأرضون وفيها أفعالهم { وما أدراك ما سجين } قيل: ذكر ذلك تفخيما لشأنه { كتاب مرقوم } قيل: مكتوب فيه، وقيل: مختوم { ويل يومئذ للمكذبين } بالجزاء أو البعث { الذين يكذبون بيوم الدين } بالجزاء والبعث { وما يكذب به إلا كل معتد أثيم } مجاوز للحد بمعصية الله، أثيم كثير المأثم { إذا تتلى عليه آياتنا } يعني القرآن { قال أساطير الأولين } الآية نزلت في النضر بن الحارث { كلا } ردع وزجر، أي ليس كما ظنوا، وقيل: حقا قسما منه بأن الذنوب أحاطت بقلبه { بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قيل: هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب ويسود، وقيل: إذا أذنب العبد كانت نكتة سوداء في قلبه { كلا } ردع وزجر، وقيل: حقا { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } عن رحمته وإحسانه وكرامته { ثم إنهم لصالو الجحيم } أي يصيرون إلى النار { ثم يقال } توبيخا { هذا الذي كنتم به تكذبون }.
[83.18-36]
{ كلا } ردع وزجر أي لا تكذبون فاتصل بقوله هذه النار، وقيل: معناه حقا { إن كتاب الأبرار } أي المخلصين { لفي عليين } في السماء السابعة وفيها أزواج المؤمنين، وقيل: تحمل كتبهم وتدفع إلى حملة العرش فيحفظونه، وقيل: في السماء السابعة تحت العرش، وقيل: لوح من زبرجدة خضراء مخلوق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها، وقيل: ساق العرش، وقيل: هو الجنة، وقيل: تقدير الكلام أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين أي مقبولا عند الله { وما أدراك ما عليون } { كتاب مرقوم } فيه تقر أعينهم { يشهده } يحضره { المقربون } يعني الملائكة { إن الأبرار لفي نعيم } في الجنة { على الأرائك } قيل: السرائر { ينظرون } إلى أعدائهم كيف يعذبون، وقيل: ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والملك { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } يعني يتبين في وجوههم أثر النعمة { يسقون من رحيق } قيل: خمر طيبة صافية { مختوم } { ختامه مسك } قيل: آخره ومقطعه مسك بأن يوجد ريح المسك عند خاتمة شربه، وقيل: ختم انائه بالمسك لا من الطين الذي يختم في الدنيا { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } فليرغب الراغبون { ومزاجه } أي خلطه ذلك الشراب { من تسنيم } قيل: اسم لعين في الجنة، أي ذلك التسنيم { عينا يشرب بها المقربون } قيل: تجري من تحت العرش { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } الآية إلى آخر السورة نزلت في أبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص وأصحابهم كانوا يضحكون من عمار وخباب وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المسلمين، وقيل: نزلت في شأن علي (عليه السلام) وكان إذا مر بهم ضحكوا منه، وقوله: { يتغامزون } يشير بعضهم إلى بعض بالأعين استهزاء بهم { وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين } يعني إذا رجعوا إلى أهليهم رجعوا فاكهين، وفكهين قيل: مسرورين، وقيل: أشرين بطرين، يعني من قرأ فكهين فمعناه ذلك، وقيل: مجتمعين بأنفسهم { وإذا رأوهم } يعني رأوا المؤمنين { قالوا إن هؤلاء لضالون } عن الحق { وما أرسلوا عليهم حافظين } يعني ما كلفوا حفظهم وحفظ أعمالهم { فاليوم } يعني يوم القيامة { الذين آمنوا من الكفار يضحكون } لأنهم كانوا أعداء للمؤمنين فكان سرور المؤمنين في تعذيب أولئك { على الأرائك } الأماكن الرفيعة والأسرة المفروشة { ينظرون } قيل: إلى النعم التي أعطاهم الله تعالى، وقيل: كيف يعذبون أعداؤهم { هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } يعني هل جوزوا لفعلهم، وقيل: هل بمعنى قد، وقيل: يقول المؤمنون بعضهم لبعض: هل ثوب الكفار بأعمالهم سرورا ما نزل بهم، وقيل: يقوله الله تعالى للمؤمنين: ألم أجازيهم؟ ومتى قيل: متى استعمل لفظ الثواب في العقوبة؟ قلنا: الثواب حقيقته ما يرجع على صاحبه من عاقبة عمله إلا أنه عليه الإثابة بالنعم فاستعمل هاهنا، وقيل: إنما قيل ذلك لمقابلة ما فعل بالمؤمنين، أي هل ثوب الكفار كما يثوب المؤمن؟ فذكر الثواب للمقابلة.
ناپیژندل شوی مخ