{ ولو قاتلكم الذين كفروا } قيل: مشركوا مكة يوم الحديبية، وقيل: صالحوا أسد وغطفان وحنين { لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا } { سنة الله } أي طريقته، وقيل: سنة الله أي نصره من أمره بالقتال من أنبيائه { التي قد خلت } مضت { من قبل } سنة نصر المؤمنين { ولن تجد لسنة الله تبديلا } { وهو الذي كف أيديهم } أي أهل مكة، أي قضى بينهم وبينكم بالمكافأة بعدما خولكم الظفر عليهم والغلبة وذلك يوم الفتح، وقيل: كان ذلك في الحديبية، لما روي أن عكرمة ابن أبي جهل خرج في خمسمائة، فبعث الرسول من هزمه وأدخله حيطان مكة، وعن ابن عباس: أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت، وقيل: كف أيديهم عن المؤمنين بالرعب وأيدي المؤمنين عنهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: أقبل النبي معتمرا فأخذ أصحابه ناسا منهم من أهل الحرم غافلين فأرسلهم فذلك الإظهار { ببطن مكة } { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام } ودخوله وذلك يوم الحديبية { والهدي } وهو ما يهدى إلى الحرم، أي وصدوا الهدي { معكوفا } أي محبوسا { أن يبلغ محله } وكان سبعون بدنة ساقها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عام الحديبية وأشعرها، وأحرم بالحديبية ومنعه المشركون وكان الصلح، وكتب الصلح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهيل بن عمرو وكتبها علي بن أبي طالب (عليه السلام) على وضع الحرب عشرين سنة، وعلى أن يخلو له مكة عام القابل ليعتمر وهي عمرة القضاء، فلما تم الصلح نحروا البدن ورجعوا إلى المدينة، ثم خرج إلى خيبر ودخل مكة في العام القابل في ذلك الشهر فنزل قوله:
الشهر الحرام بالشهر الحرام
[البقرة: 194] ثم بين تعالى المعنى وكف المؤمنين عن الكافرين فقال سبحانه: { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } يعني أن الضعفاء من المؤمنين الذين كانوا بمكة، وقيل: لولا كراهة أن يهلكوا رجالا مؤمنين وأنتم تعرفون { فتصيبكم منهم معرة } بإهلاكهم مكروه ومشقة لما كف أيديكم عنهم، وحذف جواب لولا لدلالة الكلام عليه، قال جار الله: فإن قلت: أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون؟ قلت: تصيبهم وجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز { ليدخل الله في رحمته من يشاء } لأنه جعل ذلك لأجل هذا الغرض
ليدخل المؤمنين والمؤمنات
[الفتح: 5]، قيل: في الإسلام بلطفه من الكفار { لو تزيلوا } لو تميز الكفار من المؤمنين، وقيل: هم المؤمنون الذين في أصلاب الكفار لو تميزوا منهم { لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } ، قيل: بالسيف، وقيل: بالنار { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } والمراد بحمية الذين كفروا وسكينة المؤمنين، والحمية الأنفة { فأنزل الله سكينته } السكينة الوقار،
" يروى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزل بالمدينة بعث قريش سهيل بن عمرو القرشي وخويطب بن عبد العزى أن يعرضوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرجع من عامه ذلك على أن يخلي له قريش في العام القابل ثلاثة أيام ففعل ذلك، فكتبوا كتابا فقال (عليه السلام) لعلي: " اكتب بسم الله الرحمان الرحيم " فقال سهيل وأصحابه: ما نعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم، قال: " اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول لله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل مكة " فقالوا: لو كنا نعلم إنك رسول ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب ما صالح عليه محمد ابن عبد الله أهل مكة، فقال (عليه السلام): " اكتب ما يريدون فأنا أشهد أني رسول الله " فهم المسلمون يأبوا ذلك، فأنزل الله على رسوله السكينة فتوقروا "
و { كلمة التقوى } بسم الله الرحمان الرحيم ومحمد رسول الله قد اختارها الله لنبيه والذين معه أهل الخير، وقيل: هي كلمة الشهادة، وعن الحسن: هي التقوى.
[48.27-29]
{ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } وهي رؤيا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند خروجه إلى الحديبية أنه دخل هو وأصحابه إلى المسجد، وأخبر بذلك أصحابه فاعتقدوا دخوله، وكان رسول الله لم يقل ندخلها هذه السنة فلما صدوا بين عليهم فبشرهم أنهم يدخلوه وحقق الله رؤياه، قال جار الله: فإن قلت: ما وجه دخول { إن شاء الله } في أخبار الله؟ قلت: فيه وجوه: أن يعلق عدته بالمشيئة تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم... { إن شاء الله } ولم يمت منكم أحدا، أو كان ذلك على لسان ملك فأدخل الملك { إن شاء الله } أو هي حكاية ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقص عليهم { فعلم ما لم تعلموا } من الحكمة والصواب في تأخير مكة إلى العام القابل { فجعل من دون ذلك } أي من دون مكة { فتحا قريبا } وهو فتح خيبر { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } دين الاسلام { ليظهره } ليعلمه { على الدين كله } على جنس الدين كله، يريد الأديان المختلفة من أديان المشركين والجاحدين وأهل الكتاب، ولقد حقق ذلك سبحانه فإنك لا ترى دينا إلا والإسلام دونه العز والغلبة، وقيل: هو عند نزول عيسى حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر، وقيل: هو إظهاره بالحجج والآيات { وكفى بالله شهيدا } على أن ما وعده كائن، عن الحسن: شهد على نفسه أنه سيظهر دينك { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار } أي غلاظ عليهم في قتالهم ومعاداتهم { رحماء بينهم } يعني يتعاطفون ويتوادون { تراهم ركعا سجدا } يعني يصلون { يبتغون فضلا من الله } ، قيل: يطلبون فضلا بأن يدخلهم الجنة { ورضوانا } أن يرضى عنهم { سيماهم في وجوههم } ، قيل: علاماتهم يوم القيامة، وقيل: علاماتهم في الدنيا { من أثر } الخشوع وعن عطاء وجد في هذه الآية من صلى الخمس، وقيل: صعره السهم وغض البصر { ذلك } يعني ما ذكرناه { مثلهم في التوراة } صفتهم في التوراة، قيل: تم الكلام ها هنا ثم ابتدأ { ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه } قيل: نبات، وقيل: سنبلة، وقيل: فراخه الذي يكثر ويقوى فأراد أنهم يكونوا كثيرا بعد القلة { فآزره } قواه وأعانه { فاستغلظ } أي صار غليظا { فاستوى على سوقه } أي قام على سوقه لقوته وصلابته { يعجب الزراع } لكماله وحسنه { ليغيظ بهم الكفار } الغيظ: الغم والأسف، وقيل: { شطأه } الداخلون في الاسلام إلى يوم القيامة، وقيل: مكتوب في الانجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا مثل ضربه لبدء الاسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام وحده ثم قواه الله بمن آمن معه كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى { يعجب الزراع } ، وعن عكرمة: { أخرج شطأه } بأبي بكر { فآزره } بعمر { فاستغلظ } بعثمان { فاستوى على سوقه } بعلي (عليه السلام) وليس في الآية دليل على ذلك والله أعلم { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم } نبأتهم لتخصيصهم بالوعد دون غيرهم ويجوز أن يكون أراد من أقام ذلك منهم { مغفرة } لذنوبهم { وأجرا عظيما } ثوابا دائما.
[49 - سورة الحجرات]
ناپیژندل شوی مخ