[41.36-43]
{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } أي وسوسة وقول فاسد { فاستعذ بالله } أي اعتصم به ليكفيك كيدهم ومكرهم { إنه هو السميع العليم } بما في ضميرك { ومن آياته } أي ومن حجته الدالة على وحدانيته { الليل والنهار } أصلهما ومقدارهما والزيادة والنقصان فيهما { والشمس والقمر } يعني حركتهما وزيادة القمر ونقصانه، وجميع ذلك من الدلالة على حدوثها، وإن لها محدثا مدبرا سبحانه وتعالى { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } ، قيل: كان قوم من العرب يسجدون لها فنهوا عن ذلك، وقيل: هم المجوس والصابئون { فإن استكبروا } يعني تكبروا وانفوا عن قبول الحق والسجود له تعالى { فالذين عند ربك } يعني عنده بالكرامة والمنزلة { يسبحون له بالليل والنهار } يعني على الدوام ولا يدعون عبادته و { لا يسأمون } عنها { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة } يابسة لا نبات فيها { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } يعني بالماء المطر اهتزت أي تحركت الأرض بالنبات، وقيل: فيه تقديم وتأخير في ربت واهتزت، وقيل: انفخت، وقيل: زادت يعني خرجت النبات ونمت واهتزت { إن الذي أحياها لمحيي الموتى } يعني من قدر على إحياء الأرض قدر على إحياء الأموات وإعادة الخلق { إنه على كل شيء قدير } { إن الذين يلحدون في آياتنا } أي يميلون عن الحق وهو آيات القرآن، قيل: بالتكذيب، وقيل: ترك محكمه والتعلق بمتشابهه، وقيل: المراد آيات التوحيد والعدل انحرفوا عنها ولا يستدلون بها، وقيل: الإلحاد فيها الميل عنها إلى القول بالطبائع { لا يخفون علينا } نعلمهم ونعلم أحوالهم فنجازيهم { أفمن يلقى في النار } نزلت في أبي جهل { خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة } نزلت في عمار بن ياسر { اعملوا ما شئتم } هذا تهديد، أي من عمل الخير نجا ومن عمل الشرك هلك { إنه بما تعملون بصير } عالم يجازيكم بما تستحقون { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } وهو القرآن { وإنه لكتاب عزيز } بإعزاز الله من إكرامه وحفظه، وقيل: عزيز أي ممتنع لا يقدر أحد من العباد أن يأتي بمثله { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ، قيل: الباطل الشيطان أن ينقص منه حقا أو يزيد فيه باطلا، وقيل: ليس فيه باطل من أول تنزيله إلى آخره، وقيل: لا باطل في أخباره مما تقدم ولا فيما تأخر، وقيل: لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات ولا نقص في آياته ولا كذب في أخباره ولا نسخ في أحكامه ولا تعارض ولا يرد فيه ولا تغيير، بل هو محفوظ ثابت حجة إلى يوم القيامة { تنزيل من حكيم حميد } في جميع أفعاله، والحميد المحمود { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } يعني ما يقول لك كفار مكة إلا مثل ما قد قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة { إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم } فمن حقه أن يرجوه أهل طاعته ويخافوه أهل معصيته والغرض تخويف العصاة، وقيل: ذو مغفرة لمن أطاعه وأناب إليه وذو عقاب أليم لمن عصاه.
[41.44-49]
{ ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } ، قيل: إن المشركين قالوا: إنما تعلم محمدا لسان أبو فكيهة غلام الحضرمي وكان يهوديا أعجمي، فمر به الحضرمي وقال له: إنك تعلم محمدا؟ فقال: بل هو يعلمني، وقيل: قال المشركون هلا أنزلت القرآن بعضه عربيا وبعضه عجميا فنزلت الآية، يعني لو جعلناه أعجميا بلغة العجم { لقالوا لولا فصلت } أي هلا بينت آياته { أأعجمي وعربي } ، قيل: لأنه ادعى بأنه مبعوث إلى العرب والعجم قال: هلا قال القرآن مشتملا على العجمي والعربي، وقيل: إنا أنزلنا القرآن عربيا معجزا ليكون حجة ولو أنزلناه أعجميا اعتلوا بأنا لا نعرفه { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } من كل شك { والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر } ثقل عن سماعه { وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد } يسمع صوتا ولا يفهم معنى ما يخاطبون به كالذي ينادون من مكان بعيد { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { فاختلف فيه } كما صنع قومك من التكذيب كذلك فعل قوم موسى { ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم } وهو تأخير العذاب عنهم، وقيل: الكلمة الباقية قوله تعالى:
بل الساعة موعدهم
[القمر: 46] { وإنهم لفي شك منه مريب } والريب شك مع مهمه { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } يعني النفع والضر يعود على نفسه { وما ربك بظلام للعبيد } لا يبخس المحسن من ثوابه ولا يزيد المسيء على ما يستحق { إليه يرد علم الساعة } ، قيل: إن المشركين قالوا: إن كنت نبيا فأخبرنا عن الساعة فنزلت الآية، وكذلك علم الثمرات { وما تخرج من ثمرات من أكمامها } من أوعيتها { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } يعني يعلم قدر الثمرات وكيفيتها وإخراجها وطعمها وروائحها ويعلم الحبالى وما في بطونها { ويوم يناديهم } ، قيل: ينادي مناد: { أين شركائي } الذين كنتم تعبدون فإنها لا تنفعكم اليوم { قالوا آذناك } أي أعلمناك، ولا يجوز أعلمناك على أنهم أعلموا الله تعالى لأنهم مضطرون أنه تعالى عليم بذات الصدور وعالم لذاته بكل معلوم، فالمراد به الدلال والخضوع، وقيل: أمرا بالملك { ما منا من شهيد } إن لك شريكا، وقيل: هذا قول الأصنام يحييهم الله تعالى فيقولون ذلك ردا عليهم { وضل عنهم } وبطل عنهم { ما كانوا يدعون من قبل وظنوا } أيقنوا { ما لهم من محيص } أي مهرب وملجأ { لا يسأم الإنسان } أي لا يمل { من دعاء الخير } من طلب السعة في المال والنعمة { وإن مسه } ناله شدائد الدنيا { فيؤوس قنوط } يعني يقل صبره ويستشعر اليأس والقنوط هو أبلغ اليأس.
[41.50-54]
{ ولئن أذقناه رحمة منا } أي نعمة وعافية { من بعد ضراء مسته } أي بعد شدة نالته في ماله ونفسه وأولاده، فإذا أتاه النعمة جهل فضل الله ولم يشكر نعمه، بل يعتقد أنه من علمه وتدبيره ويقول: هذا لي أنا أحق به لأنه بفضل علمي حصل { وما أظن الساعة قائمة } على ما وعدته الأنبياء { ولئن رجعت إلى ربي } على التقدير لا على التحقيق، يعني لا تقوم الساعة ولئن قامت و { رجعت } إلى الله على ما تزعمون، ف { إن لي عنده للحسنى } ، قيل: شفاعة الأصنام، وقيل: لأنه أعطانا في الدنيا وذلك لمنزلة لنا عنده فيعطينا كذلك في أمر الآخرة، فأمن أمر الدنيا في الآخرة، وعن بعضهم: للكافر أمنيتان: يقول في الدنيا: { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } ، ويقول في الآخرة:
يا ليتني كنت ترابا
[النبأ: 40]، وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة { فلننبئن الذين كفروا } بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب { ولنذيقنهم من عذاب غليظ } ، قيل: شديد، وقيل: دائم، وقيل: متراكم أنواع العذاب { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } عن شكر الله الإعراض والتولي والإدبار نظائر { ونأى بجانبه } النأي بالجانب التباعد عن طريق الاستكبار، وأصل النأي البعيد { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } أي إذا نالته مصيبة ضجر وإذا نالته نعمة بطر، والدعاء العريض الكثير { قل } يا محمد لهؤلاء { أرأيتم إن كان } هذا القرآن { من عند الله } يعني إنما أنتم عليه من إنكار القرآن وتكذيبه ليس بأمر صادر عن حجة قاطعة وإنما هو كفر منكم به وكذبتم { ومن أضل ممن هو في شقاق بعيد } أي عصيان ومفارقة عن الحق، أي من أضل منكم ومن أشد معصية { سنريهم آياتنا في الآفاق } ما كان من الفتوح فيها { وفي أنفسهم } فتح مكة، وقيل: في أنفسهم البلايا والأمراض، وقيل: في الآفاق الفتح لمحمد، وقيل: الآفاق وقائع الله في الأمم وفي أنفسهم يوم بدر، وقيل: في الآفاق الأقطار من الأرض وفي السماء من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار والبحار والجبال، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وقيل: في الآفاق ما كان النبي يخبرهم من الحوادث، وفي أنفسهم ما كان بمكة من انشقاق القمر { حتى يتبين لهم أنه الحق } أي يظهر لهم أن القرآن حق، وقيل:الإسلام، وقيل : محمد حق { أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } ، قيل: هو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين أنه يجازي كل أحد بعمله وينصف المظلوم من الظالم { ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم } في شك من لقائه { ألا إنه بكل شيء محيط } عالم.
ناپیژندل شوی مخ