{ وإن يونس لمن المرسلين } { إذ أبق إلى الفلك المشحون } { فساهم } ، ويقال: أسهم القوم إذا قرعوا، يعني ألقوا السهام، والفلك المشحون السفينة المملوءة بالناس وغيرهم، واختلفوا في سببه فقيل أشرفوا على الغرق فرأوا أن طرح واحد لم يغرق الباقون، وقيل: رأوا حوتا تعرض لهم فقالوا فينا مذنب، وقيل: احتبست السفينة، وروي أنه حين ركب السفينة وقفت فاقترعوا ووقعت القرعة على يونس ثلاث مرات فقال: أنا العبد الآبق وألقى نفسه في البحر، وقيل: أكرهوه وألقوه في البحر { فكان من المدحضين } المغلوب المقروع { فالتقمه الحوت وهو مليم } داخل في الملامة { فلولا أنه كان من المسبحين } من الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح والتقديس، وقيل: هو قوله في بطن الحوت
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
[الأنبياء: 87]، وقيل: من المصلين، وعن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة، وقيل: من المطيعين، وقيل: من العابدين { للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } الظاهر لبثه فيه حيا إلى يوم البعث، وعن قتادة: لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة، وروي أنه حين ابتلعه أوحى الله إلى الحوت اني جعلت بطنك له سجنا ولم أجعله لك طعاما، واختلفوا في مقدار لبثه فعن الكلبي: أربعون يوما، وعن الضحاك: عشرون، وقيل: سبعة أيام، وعن بعضهم: ثلاثة أيام، وعن الحسن: لم يلبث إلا قليلا، ثم أخرج من بطنه بعد الوقت الذي التقم فيه، وروي أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس ويونس يسبح ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البرية فلفظه سالما لم يتغير منه شيئا قط، وروي أن الحوت لفظه بساحل قرية الموصل { فنبذناه بالعراء } العراء المكان الخالي لا شجر ولا شيء يغطيه، وروي أنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد { وهو سقيم } ضعيف { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } ، قيل: هو كل ما يسجد على وجه الأرض ولا يقوم على ساقه كشجرة البطيخ والحنظل،
" وقيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنك تحب القرع، قال: " أجل هي شجرة أخي يونس "
، وقيل: هي شجرة الموز، وقيل: كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف اليه فشرب من لبنها، وروي أنه مر زمان على الشجرة فيبست فبكا جزعا، فأوحي اليه: بكيت على شجرة ولم تبكي على مائة ألف في يد الكفار؟ وقوله: { وأرسلناه إلى مائة ألف } المراد به ما سبق من إرساله إلى قومه، وقيل: هو إرسال ثان بعد ما جرى عليه إلى الأولين وإلى غيرهم { أو يزيدون } في مرأى الناظر إذا رآهم الرائي قال: هم مائة ألف أو أكثر، والغرض الوصف بالكثرة، ولا يجوز أن يكون أو يزيدون عطف على قوله مائة ألف لأنه فعل والتقدير إلى مائة وجماعة يزيدون على مائة ألف أو يزيدون والايهام في حق المخاطبين، وقرئ ويزيدون { فآمنوا فمتعناهم إلى حين } إلى أجل مسمى { فاستفتهم } الآية نزلت في قريش وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله، يعني سلهم يا محمد وإنما هو سؤال إنكار وتوبيخ { ألربك البنات ولهم البنون } يعني كيف اخترتم لأنفسكم البنين وأضفتم البنات إلى الله { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } يعني اشهدوا خلقهم فعلموا أنهم اناث، قال سبحانه: { ألا إنهم من إفكهم ليقولون } { ولد الله وإنهم لكاذبون } في ذلك، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا { أم لكم سلطان مبين } أي حجة نزلت عليكم من السماء، وخبر بأن الملائكة بنات الله { فأتوا بكتابكم } الذي أنزل عليكم في ذلك { إن كنتم صادقين } وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم وإنكار فظيع.
[37.158-182]
{ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } أرادوا بذلك الملائكة وهو زعمهم أنهم بناته، والمعنى وجعلوا إنما قالوا نسبته بين الله وبينه، وأثبتوا له بذلك جنة جامعة له الملائكة، فإن قلت: لم سمي الملائكة جنة؟ قلت: الجنس واحد، وقيل: قالوا: إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة، وقيل: قالوا: إن الله والشيطان اخوان، وعن الحسن: أشركوا الجن في الطاعة لهم { ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون } للكفرة، والمعنى أنهم يقولون ما يقولون في الملائكة وقد علمت الملائكة في ذلك لكاذبون مفترون { سبحان الله عما يصفون } أي تنزيها له وبراءة عما يصفون، وأنهم محضرون النار معذبون بما يقولون، ويجوز إذ فسر الجنة بالشياطين أن يكون الضمير في أنهم لمحضرون لهم، والمعنى أن الشياطين عالمون أن الله يحضرهم النار ويعذبهم، ولو كانوا مناسبين له وأشركوا في وجوب الطاعة لما عذبهم { إلا عباد الله المخلصين } استثناء منقطع من المحضرين معناه: ولكن المخلصين ناجون { فإنكم وما تعبدون } ، معناه: فإنكم ومعبودكم من دون الله أنتم وهم جميعا { بفاتنين } على الله إلا أصحاب الجحيم ، والفاتن المهلك { إلا من هو صال الجحيم } مثلكم { وما منا إلا له مقام معلوم } في العبادة والانتهاء إلى أمر مقصور عليه لا يتجاوزه، كما روي فمنهم راكع لا يقوم صلبه وساجد لا يرفع رأسه { وإنا لنحن الصافون } نصف أقدامنا في الصلاة وأجنحتنا في الهواء منتظرين ما نؤمر، وقيل: نصف أجنحتنا حول العرش داعيين للمؤمنين، وقيل: أن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة عند نزول هذه الآية وليس يصف أحد من أهل الملل في صلاتهم غيرهم { وإنا لنحن المسبحون } المنزهون والمصلون، وإن كانوا هم مشركو قريش { لو أن عندنا ذكرا من الأولين } أي كتابا من كتب الأولين الذي نزل عليهم التوراة والانجيل لأخلصنا عبادة الله ولما كذبنا كما كذبوا به ولآمنا كما آمنوا به المنزل عليهم { فكفروا به } في الكلام حذف فلما آتاهم الكتاب وهو القرآن كفرو به { فسوف يعلمون } وعيد لهم { ولقد سبقت كلمتنا } يعني وعدنا { لعبادنا المرسلين } ، قيل: هو قوله:
كتب الله لأغلبن أنا ورسلي
[المجادلة: 21]، وقوله:
وكان حقا علينا نصر المؤمنين
ناپیژندل شوی مخ